نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء في زمن الغيبة غيبة الامام المهدي(ع) وهو دعاء يقرأ بعد فريضة العصر من يوم الجمعة ومطلق الاوقات وقد حدثناكم عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يتوسل بالله تعالى بان يعجل في ظهور الامام(ع) لنشر العدل ثم يقول: (حتى لا تدع للجور يا رب دعامة الا قصمتها ولا بغية الا افنيتها، ولا قوة الا اوهنتها ...الخ).
هذا المقطع من الدعاء يتضمن عبارات استعارية يحسن بنا تحليلها واستخلاص دلالاتها ونكاتها وهذا ما نبدأ به ...
الاستعارة الاولى من المقطع هي (حتى لا تدع للجور يا رب دعامة الا قصمتها) هنا ينبغي ان نقف عند مفردات هذا المقطع لملاحظة دلالتها اللغوية فبالنسبة الى كلمة "الجور" فانها تعني العدول او الانحراف عن الحق، وهذه الكلمة أي "الجور" تشترك مع كلمة اخرى ترد في هذا السياق ايضاً أي امتلاء الارض ظلماً وجوراً ولكن الفارق بين الكلمتين موجود ايضاً فالجور هو الانحراف عن الحق، اما الظلم فهو النقصان للحق، حيث ان الفارق هو ان الجور بالنسبة الى اعداء الله تعالى يتمثل في عدولهم عن الحق، والتوجه الى الباطل كمن عدل عن الدين الحق واتجه الى سواه ... واما الظلم فهو النقصان للحق كما قلنا ويمكننا ان نستشهد له بالاعداد ايضاً حيث لم يعطوا اهل البيت عليهم السلام حقهم مع ان النبي(ص) اوحى بذلك بل ان الله تعالى ذكر في كتابه الكريم اطاعته واطاعة الرسول(ص) واولي الامر وهم اهل البيت عليهم السلام وهو امر ايضاً ينسحب على المنتسبين اليهم، حيث ان الاعداء يفتكون باتباع المذهب الحق، من هنا يتعين على قارئ الدعاء ان يميز بين كلمتي الجور والظلم، حيث ترد كلاهما ـ كما قلنا ـ في معرض الحديث عن الامام المهدي(ع) وفي ضوء هذه الحقائق نصل الى دلالة تقول او تتوسل بالله تعالى بالا يدع للجور دعامة الا وقصمها فماذا تعني من العبارة الاستعارية؟
الدعامة هي اعماد البيت واما القصم فهو الكسر له ويكون المعنى حينئذ هو الا يدع الله تعالى عماداً لبيوت الظالمين الا وكسره ... والسؤال هو ماذا نستخلص من النكات في الاستعارة المذكورة؟
بالنسبة الى كلمة الجور قلنا انها تعني العدول عن الحق وها نحن نشاهد باعيننا في زمننا المعاصر كثيراً من مصاديقه.
واما بالنسبة الى الاستعارة التي تضطلع بالتعبير عن درجة الجور فتقول بكسره اساساً حتى لا يستقيم الامر لهؤلاء الجائرين، فتكون النتيجة هي ابادتهم كما هو واضح بيد ان السؤال هو عن النكتة التي نستهدف استخلاصها من الاستعارة المذكورة حيث ان محوه من الارض هو الهدف ـ كما قلنا ـ بيد ان الدقة الملحوظة في الاستعارة هي المطلوب ان نتبينها فما هي يا ترى؟
في تصورنا ان القصم اساساً يستعار بالنسبة الى الظهر فيما ان الظهر هو العضو الحامل لما هو ثقيل من الاشياء حينئذ اذا كسر فعندها لا يقوى البتة على حمل شيء ما وهذا ما استشهد به الدعاء عندما توسل بالله تعالى بان يقصم عماد البيت او الظهر الذي يعتمد عليه بناء البيت بحيث اذا تصدع العماد او انقطع الظهر عندئذ لا يستطيع هؤلاء المنحرفون عن الاسلام وعن مذهب اهل البيت عليهم السلام المجسد لمفهوم الاسلام الحق، نقول: لا يستطيع المنحرفون عن المذهب الحق ان يسيروا على اقدامهم بل تتعطل فاعلياتهم تماماً كما تتعطل فاعلية الظهر او دعامة البيت عن النهوض بممارسة الانحراف.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من الاستعارة المذكورة سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى المشاركة مع الامام(ع) في تطهير الارض من المنحرفين وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******