نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء الغيبة (غيبة الامام المهدي(ع)) حيث يتلى بعد فريضة العصر من يوم الجمعة، وقد حدثناكم عن مقاطعه متسلسلة ووصلنا الى مقطع يقول: (اللهم عجل فرجه، وايده بالنصر، وانصر ناصريه ...)، وقد واعدناكم بان نلقي الانارة على ما تعنيه العبارتان الاخيرتان مع وضوحهما من دلالات ونكات ... وهذا ما نبدأ به الآن ...
من البين ان التوسل بالله تعالى بان يؤيد الامام المهدي(ع) بالنصر على الاعداء، انما يعني ان يجعله منتصراً على اعدائه الذين يحاربهم(ع)، والنكتة بان الله تعالى يؤيد الامام(ع) بالنصر تظل من الوضوح بمكان، لان النصر هو من عند الله تعالى. الم يقل الله تعالى في مخاطبته للنبي(ص): (وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى)؟ هذه المقولة تكشف عن الحقيقة العبادية التي قد تغيب عن بعض الاذهان عندما يتصورون بان النصر هو من الامكانات الذاتية للبشر، بينما اوضح تعالى بما لا شبهة فيه بان الممارسة العسكرية ذاتها تتم بارادته تعالى بما في ذلك المهارة القتالية المتمثلة في استخدام السلاح ...الخ.
المهم، عندما يتوسل الدعاء بالله تعالى بان يؤيد امام العصر بالنصر، فهذا يعني بوضوح ان معركة الامام(ع) تحسم بتأييد من الله تعالى حيث وعد المؤمنين بوراثة الارض، وهي مما يتحقق ان شاء الله تعالى مع ظهور الامام(ع) وتأييد الله تعالى اياه في النصر على المنحرفين.
يبقى ان نتساءل عن النكتة الكامنة وراء العبارة القائلة (وانصر ناصريه) ... فماذا تعني؟
الدعاء ـ كما لاحظنا ـ توسل بالله تعالى بان "يؤيد" امام العصر بنصره على العدو ... ولكنه ـ بالنسبة الى المسلمين المشاركين في المعركة مع الامام(ع) ـ توسل الدعاء بالله تعالى بان "ينصرهم" ولم يقل بان "يؤيدهم" فما هو سر ذلك؟
مما لا شك فيه، ان المعركة التي يخوضها الامام(ع) ما دامت مقترنة بوجوده(ع) من حيث كونه امام العصر، والحجة على الخلق حينئذ فان قيادته(ع) هي المتحكمة في الموقف، وهو ما يقترن بدوره مع تأييد الله تعالى له.
اما بالنسبة الى عامة المشاركين بالمعركة فانهم انصار للقائد(ع) لذلك فان مشاركتهم او نصرتهم للامام(ع) تتطلب توفيقاً من الله تعالى وذلك بتحقيق النصر لهم من خلال كونهم انصاراً مقابل من وقفوا متفرجين او متخاذلين او معادين، ولذلك ورد بعد العبارة المذكورة أي عبارة "انصر ناصريه" جاءت عبارة (واخذل خاذليه ودمدم على من نصب له، وكذب به...)، فهذه التوسلات بالله تعالى بان ينصر ناصري الامام ويخذل خاذليه تعني ان يتحقق لهم ما يصبون اليه من تحقيق الوراثة التي وعد الله تعالى بها، عباده ومن ثم اشاعة العدل وازالة الظلم ...الخ.
والان بعد ان تبين بان المقصود من عبارة (انصر ناصريه) هو تحقيق الامل لدى اصحاب الامام(ع) في ازالة الانحراف عن المجتمعات عندئذ نتجه الى ملاحظة ما يقابل ذلك، الا وهو العبارات القائلة (واخذل خاذليه، ودمدم على من نصب له، وكذب به)، حيث تعني العبارات المذكورة تحقيق النصر ايضاً ولكن من خلال ازالة عقباته متمثلة في ثلاثة انماط هم "الخاذلون" و"الناصبون" و"المكذبون" .. وهي فئات متنوعة الانحراف سنحدثكم عنها في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
اما الآن فحسبنا ان ندعوه تعالى بان يوفقنا فعلاً في جعلنا انصاراً للامام(ع) وان ينصرنا في ذلك كما ورد في الدعاء (وانصر ناصريه)، وان يوفقنا ـ من ثم ـ في ممارسة مهمتنا العبادية وثم بعامة الا وهي ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******