لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الذي يتلى في زمن الغيبة (غيبة اما العصر(ع))، حيث حدثناك عن جملة مقاطع منه، وانتهينا الى مقطع يقول: (اللهم اني اسألك ان تريني ولي امرك ظاهراً، نافذ الامر)، الى ان يقول: (فافعل ذلك بي وبجميع المؤمنين، حتى ننظر الى ولي امرك صلواتك عليه ظاهراً المقالة، واضح الدلالة، هادياً من الضلالة، شافياً من الجهالة) ... هذا المقطع حدثناك عن بعض فقراته في سياق خاص ... اما الآن فنحدثك عنه في سياقه العام، حيث يتضمن جملة امور، يتعين علينا ملاحظتها على النحو الآتي:
- التوسل بالله تعالى بان يري قارئ الدعاء ولي الامر(ع).
- ان يريه ذلك ظاهراً وان يريه نافذ الامر.
- ان يجعل ذلك لقارئ الدعاء ولجميع المؤمنين.
- ان يجعل ذلك حتى ننظر الى الامام(ع) ظاهر المقالة ان ننظر اليه واضح الدلالة وان ننظر اليه هادياً من الضلالة، وان ننظر اليه شافياً من الجهالة ...الخ، نحن الان امام جملة من طموحات قارئ الدعاء فما هي؟
نقف مع الاول منها وهو: التوسل بالله تعالى بان يرينا ولي الامر ظاهراً والسؤال ماذا يعني ذلك؟
ان ذلك يعني ان يجعلنا مطمئنين تماماً الى انه(ع) قد ظهر بما لا ريب فيه ... وسر ذلك هو ان في زمن الفتنة من الممكن ان يلتبس لدى الانسان الموقف حيث تظهر ادعاءات وتظهر سياقات مضببة بحيث يلتبس على بعض الناس الامر ولذلك فان قارئ الدعاء يتوسل بالله تعالى بان يريه ولي الامر(ع) ظاهراً لا خفاء في ظهوره ولا لبس ... ثم ماذا؟
التوسل الآخر هو ان يري تعالى قارئ الدعاء امام العصر(ع) واضح المقالة ... وهذا التوسل بدوره يطلب من الله تعالى ان يجعل من ظهور ولي الامر(ع) سياقاً واضحاً أي مقالته او دعوته ظاهرة في دلالتها، حيث نستخلص بان المقصود من عبارة واضح المقالة، وهي عبارة مجازية هو ان تكون معركته الاصلاحية للمجتمعات من الوضوح ومن الظهور بمكان بحيث لا يتردد اثنان في مشروعيتها هنا قد يسأل قارئ الدعاء ما هو الفارق بين العبارة المتوسلة بالله تعالى بان يجعل ولي امره ظاهر المقالة وبين العبارة المتوسلة بان يجعله واضح الدلالة؟ هذا ما يحتاج الى شيء من التوضيح ...
من البين ان نهضة الامام(ع) او ظهوره(ع) يقترن بملابسات كثيرة لا مجال لذكرها الان ولكن ظهوره في اليوم العاشر من محرم في البيت الحرام، ثم دعوته الاخرين الى الالتحاق بموكبه بعد ان يلتحق به خواص اصحابه بطبيعة الحال ... هذا الظهور يقترن بدعوته(ع) ـ كما قلنا ـ يجسد مقالة واضحة أي ظهوراً لا تشكيك فيه ...
اما تفصيلات ذلك من دعوته الى الالتحاق به وشرح لاهدافه ...الخ، يجسد دعوة واضحة الدلالة لا لبس فيها بل هي معركة لاصلاح المجتمعات والقضاء على الجور، وهل ثمة شيء اكثر وضوحاً من هذه الدلالة الاصلاحية؟ ثم ماذا؟
الموضوعان الآخران هما: التوسل بالله تعالى بان يجعل ولي امره هادياً من الضلالة شافياً من الجهالة، لا نعتقد ان هاتين المهمتين تحتاجان الى مزيد من التوضيح، وذلك لان زمن الظهور يسبقه زمن قد انتشر فيه الضلال والجهل، اما الضلال فلأن الاطروحات الفكرية التي تملأ الساحة تبقى اما بمنأى عن الله تعالى اساساً او بمنأى عن مبادئ الطائفة المحقة التي امرها النبي بان تتمسك بالثقلين كتاب الله تعالى وعترته عليهم السلام؟ وهذا يعني ان غير المتمسك بهما هو ضال.
واما الجهل فلأن غالبية المجتمعات تحيا بمنأى عن رسالة السماء، فيكون الجهل هوالمسيطر على الموقف بما يستتبع من طروحات غير عملية بطبيعة الحال ولذلك عبر الدعاء عن هذا النمط من الجهل بمبادئ السماء بانه مرض وسأل الله تعالى ان يشافي قارئ الدعاء منه.
اذن امكننا ان نتبين ولو عابراً جانباً من نكات الدعاء المذكور، حيث نتوسل بالله تعالى بان يوفقنا الى المشاركة في معركة الحق وان يوفقنا الى ممارسة مهمتنا العبادية والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******