نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها الدعاء الذي يتلى في زمان الغيبة (غيبة الامام المهدي(عج))، حيث حدثناك عن جملة مقاطع منه، وانتهينا الى المقطع القائل:
(اللهم اني أسألك ان تريني وليَّ امرك ظاهراً نافذ الامر، مع علمي بان لك السلطان والقدرة والبرهان والحجة والمشية والحول والقوة...)، هذا المقطع حدثناك عنه في لقاءات سابقة، واوضحنا في حينه ما تعنيه سلسلة سمات تتصل بالله تعالى من حيث فاعليته تعالى في تكييف الظهور بحسب ما يتطلبه الموقف، ان قارئ الدعاء توسل بالله تعالى بان يجعله ممن يحظى بادراك زمن الظهور حتى يسهم في المعركة الاصلاحية التي يخوضها الامام(ع) لتحرير المجتمعات من الظلم، ولكن قارئ الدعاء يقر في نفس الوقت بان السلطان والقدرة والمشية والحول والقوة والبرهان والحجة هي لله تعالى في تكييفه لحادثة ظهور الامام(ع)، وقد حدثناك عن دلالة ما تعنيه عملية التكييف للظهور، في عبارات "السلطان" و"القوة" و"القدرة" و"الحول" و"المشية"، وبقي ان نحدثك عن ظاهرتين هما: ان البرهان وان الحجة هي لله تعالى في تحديده وتكييفه لزمن الظهور.
والسؤال المهم هو ماذا يقصد من عبارتي "البرهان" و"الحجة" من حيث علاقتهما بحاثة ظهور الامام(ع)؟ هذا ما نحاول الاجابة عنه الآن....
اننا نحرص على التدقيق في عبارات الدعاء المذكور ونحوه مع علمنا ان قارئ الدعاء اذا كان متعجلاً او ممن يقرا ولا يعي ما يقرا او ممن يعي ما هو الاجمالي من الدلالة سوف لن يعني بهذه التدقيقات للظاهرة مع ان المفروض تماماً هو ان قارئ الدعاء يتعين عليه معرفة ما يقرا بدقة لان الله تعالى هو الملهم للنبي وخلفائه الائمة هذه المعاني، والا فستذهب هذه العبارات او دلالالتها سدى وهنا ما يتنافى مع ابسط الآداب التي ينبغي ان نصدر منها في تعاملنا مع النصوص الشرعية ومنها الدعاء والآن دعونا نعود لطرح السؤال مجدداً وهو ماذا تعنيه عبارة "البرهان" و"الحجة" من حيث علاقتهما بحكمة الظهور وملابساته؟
قبل ان نجيبك عن السؤال المتقدم يحسن بنا ان ننظر من جديد الى السياق الذي ورد فيه هذا المصطلحان البرهان والحجة؟ السياق هو توسل قارئ الدعاء بالله تعالى ان يريه ولي الامر ظاهراً نافذ الامر أي قد ظهر بعد الغياب الذي امتد قروناً طويلة، وتحرك فعلياً لممارسة مهمته الاصلاحية.
هنا يتم الطرح لهذا السؤال اليس الله تعالى هو العالم بزمان ومكان الظهور؟ ثم أليس مقطع الدعاء المتقدم قد حذر قارئ الدعاء من التساؤلات عن متى وكيف ولم الخ؟ واذا كان الامر كذلك فان السؤال حتى عن غير ذلك "كالتوسل بادراك زمن الظهور" يبقى محفوفاً بالتحفظات ولكن كما اشرنا في لقاءات سابقة ان التوسل بالله تعالى بان يرينا تحقيق الاصلاح له مسوغاته المتمثلة في ان قارئ الدعاء يعنيه بان يوفق الى المشاركة في المعركة من جانب، ويسعده جداً ان يتحقق الظهور بصفة ان كل واحد منا يعنيه بان يرث المسلمون ارض "كما وعد الله تعالى"، وان تنسحب مبادئ الله تعالى على مناخ العالم بعد ان عاث المفسدون فيه.
اذن ثمة مسوغ لتطلعات قارئ الدعاء بمشاهدة الموكب موكب الظهور تعاطفاً مع عقيدته او مشاركته للمهمة الاصلاحية يبقى بعد ذلك ان نطرح جديداً دلالة ما تعنيه عبارة "ان البرهان والحجة لله تعالى" في تحقيقها لتطلعات قارئ الدعاء.
هنا نسارع الى القول بان البرهان يعني اقامة دليل على صحة الشيء، واما الحجة فهي ما ترتب على البرهان من آثار الصحة، ومعنى ذلك في نهاية المطاف ان الله تعالى بما انه عالم بحقائق الامور وما تتطلبه المصلحة من تبيان او كتمان ومن اظهار او اخفاء ومن اسهام او حرمان في المعركة الاصلاحية حينئذ فان له ما يتفق ومتطلبات المصلحة بغض النظر عن تطلعات هذا الشخص او عدمها لكن بما ان الشخصية القارئة للدعاء متفاعلة مع ظاهرة وراثة الاسلاميين للارض وهي مستعدة للمشاركة في ذلك حينئذ يتجه الى التوسل المذكور.
وهنا يقرُ قارئ الدعاء بان لله تعالى ان يدلل برهانياً وان يحتج بذلك علينا بان الامر مرتبط بما تتطلبه المصلحة وليس بما يتمناه قارئ الدعاء ولكن مع ذلك فان تطلعات القارئ للدعاء ما دامت متسقة مع مشروعية الموقف ومع حرصه على المشاركة في معركة الحق تسمح له بالتوسل المذكور وهذا ما يدفعنا الى التوسل جديداً بالله تعالى بان يوفقنا لرؤية الظهور ومساهمتنا في المهمة والتوفيق لممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******