نواصل حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من المعرفة بحقائق القضايا المتصلة بالعقائد والاخلاق والاحكام، ومنها، المعرفة المتصلة بامام العصر(ع)، حيث نتحدث عن دعاء يتناول هذه الظاهرة عبر قوله(ع): (اللهم عرفني حجتك فانك ان لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني) اذن، معرفة امام العصر(ع) وما يرتبط بسلوكنا حيال الغيبة وحيال الظهور تظل من الامور المتسمة باهمية كبيرة حيث يضطلع الدعاء وسواه من النصوص الشرعية بهذا الجانب.
المهم: نواصل حديثنا عن الدعاء المذكور حيث حدثناك عن جملة مقاطع منه بحسب تسلسلها وانتهينا الى الفقرة القائلة بان الامام المهدي(ع) ينتظر من الله الامر بظهوره، يقول الدعاء (وامرك ينتظر، وانت العالم غير المعلم بالوقت الذي فيه صلاح امر وليك، في الاذن له باظهار امره، وكشف ستره، فصبرني على ذلك) ... هذه الفقرة من الدعاء حدثناك عن بعض ما ورد فيها كالاشارة الى ان الله تعالى هو العالم غير المعلم بالوقت الذي فيه صلاح ظهوره(ع)، لكن ثمة نكتة هنا نعتزم توضيحها حيث تتطلب منك ان تلتفت اليها حتى لو ظننت بان معالمها لا ضرورة لها، ولكننا نخالفك في ذلك، ونجد ان على قارئ الدعاء ان يعي تماماً كل دقائق العبارة.
والعبارة التي نستهدف الاشارة اليها هي ما يتصل بتحديد زمن الظهور حيث قال الدعاء بان الله تعالى هو العالم غير المعلم من حيث الاذن للامام(ع) (باظهار امره وكشف ستره) ... وما يعنينا هنا هو العبارة التي تتحدث عن (اظهار الامر) وكشف الستر فماذا تعني كل منهما؟
بالنسبة الى (اظهار الامر)، فان المقصود هو بحسب ما نحتمله ظهور شخصيته(ع) بعد الغياب، لقد غاب الامام(ع) في منتصف القرن الثالث الهجري، ولا يزال غائباً، ولذلك فان انتهاء الغياب يعني ظهوره(ع) عياناً واضطلاعه بالوظيفة الاصلاحية التي عهد الله تعالى اليه ممارستها ... ولكن السؤال هو اذا كانت العبارة المذكورة بان الله تعالى هو الذي يأذن لامام العصر باظهار امره، فماذا تعني العبارة الاخرى القائلة بان الله تعالى يأذن لامام العصر "بكشف ستره"؟ ...
نعتقد ان المقصود من ذلك هو ان الله تعالى ستر على الخلق من بشر وسواه شخصية الامام المهدي(ع) بصفة ان الخلق يجهل فلسفة وجود الامام(ع)، ويجهل وراثة الارض التي وعد الله تعالى بها عباده حيث ان الشخصية الاسلامية الواعية هي التي تعي شخصيته(ع) حيث غيابها المؤقت بينما تجهل الشخصيات اوالمخلوقات غير الواعية فلسفة ذلك، انها معنية بزخرف الارض. حتى اذا ازينَّت وظن اهلها انهم قادرون عليها اتى امر الله تعالى وكشف الستر عنهم.
الى هنا نعتقد بان قارئ الدعاء قد تبين له بنحو اجمالي ظاهرة غياب الامام بالنسبة الى الشخصيات الواعية، وفلسفة وجود اساتر عليه(ع) بالنسبة الى ساتر الخلق وهذا ما يدفعنا الى اثارة سؤال جديد هو: ان الدعاء المذكور يأمرنا بعد ذلك بان نتوسل بالله تعالى بان يجعلنا "صابرين" لا نتعجل ظهوره بعد غيابه، يقول الدعاء: (فصبرني على ذلك، حتى لا احب تعجيل ما اخرّت، ولا تأخير ما عجلت ...).
هذا المقطع الجديد من الدعاء يتطلب حديثاً مفصلاً لان الموضوع يرتبط بعملية "صبر" على معرفة وقت الظهور، ويقابلها كما سنلاحظ ولاحظنا في لقاءات سابقة التوسل بالله تعالى بان يعجل الظهور، فكيف نوفق بين ما ورد من التوصيات بتعجيل ظهوره(ع)، وبين ما ورد من الصبر على تحديد الوقت؟ ... هذا ما سنجيبك عنه في لقاء مقبل ان شاء الله تعالى.
اما الآن فحسبنا ان نتوسل بالله تعالى بان يجعلنا واعين بما يتحتم علينا من السلوك، وذلك بان ندرب ذواتنا على الطاعة وان يجعلنا من المنتظرين لظهور امام العصر(ع) والعمل بما يتطلبه الموقف، ومن ثم استمرارية ممارسة وظيفتنا العبادية بنحو عام والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******