نتابع حديثنا عن الادعية المباركة وما تنطوي عليه من الموضوعات المرتبطة بمختلف شؤون الشخصية الاسلامية، ومن ذلك الشأن المرتبط بامام العصر(عج)، حيث نجد ان الادعية المتنوعة تضطلع بتناول هذا الموضوع، وتقدم لنا ذخيرة معرفية في كيفية التعامل مع الامام المذكور والتهيؤ لمباركة الحركة الاصلاحية التي تنتظره ليغير خارطة المجتمع البشري ووراثة الاسلاميين للارض: كما وعد الله تعالى.
ومن جملة الادعية التي تتناول الموضوع المذكور الدعاء الذي امرنا اهل البيت(ع) بان ندعو به في زمن الغيبة حيث استشهدنا بجملة مقاطع منه بحسب تسلسلها ومنها المقطع الذي بدأ بالقول (اللهم فثبتني على دينك، واستعملني بطاعتك، ولين قلبي لولي امرك، وعافني مما امتحنت به خلقك وثبتني على طاعة وليك الذي سترته عن خلقك ...).
هذا المقطع سبق ان حدثناك عنه ولكن ما نستهدف الاشارة اليه الان هو التسلسل الذي ورد في الدعاء من حيث البدء بالتوسل بالله ان يثبتنا على دينه وهو الايمان الرئيس الذي ينبغي ان نصدر عنه تبعاً لامره تعالى بانه لا يرتضي لنا غير الاسلام ديناً... ثم الالتزام بخطوطه عملياً تبعاً للعبارة القائلة (واستعملني بطاعتك) حيث تعني الطاعة الالتزام بمبادئ الدين، ثم بعد التوسل بالثبات على الدين، واستعمال الطاعة، التوسل بالله تعالى بان يلين قلوبنا لولي امره، حيث ان المرحلة الايمانية تتلوها الطاعة ثم تتلوها اِلانة القلب لولي الامر(ع) حيث ان المرحلة الثالثة هي الايمان او المعرفة للحجة او امام العصر(ع) وقد تسأل عن النكتة الكامنة وراء التوسل بالانة القلب اولاً ثم بالعبارة المتوسلة بالله تعالى ان يعافينا مما امتحن به عباده، ثم الثبات على طاعة امام العصر(ع) هذه المراحل الثلاث الانة القلب، المعاناة من الامتحان، الثبات على طاعة امام العصر، تدلنا بوضوح على الخطوات ... نقول هذه المراحل تنطوي بدورها على جملة نكات هي: ان ليونة القلب تعني التعاطف مع الموضوع بصفة ان التعاطف الوجداني يدفع الشخصية الى مزيد من الايمان بالموضوع وهو طاعة الامام(ع) وهذا ما عبرت الجملة الثالثة عنه وهي (ثبتنا على طاعة وليك) ولكن الثبات المذكور يتوقف على المعاناة من العوارض التي تعترض الشخصية احياناً وتحجزها عن السير الى الامام كالفتنة والشبهة والانحراف وما اليها من الايحاءات الشريرة.
اذن هذه المقدمات التي ذكرناها او بالاحرى ذكرها الدعاء جاءت تتويجاً لفقرة لاحقة هي قوله(ع) (الذي سترته عن خلقك)وباذنك غاب عن بريتك وامرك ينتظر....
طبيعياً نجد عبارات لاحقة تشكل امتداداً لما لاحظناه الآن ولكن ما نعتزم الاشارة اليه هو ظاهرة "الستر" او "الغيبة" وفلسفتها التي تعمد الدعاء عدم الكشف عنها واوضح خلال العبارات التي لاحظناها ونلاحظها فيما بعد ذلك إن شاء الله تعالى. اوضح بان الامر هو مرتبط بحكمة الله تعالى، وبما تتطلبه المصلحة من عدم تحديد الزمن ....
والسؤال الجديد هو ما هي الظواهر التي طرحها الدعاء في التعبير عن الموضوع المذكور أي غيابه عليه السلام وابهام ظهوره؟
ان الظاهرة الاولى من النكات التي نعتزم ان نحدثك عنها هي ظاهرة الستر حيث قال الدعاء (وبأذنك غاب عن بريتك) ثم الظاهرة الثانية وهي (وأمرك ينتظر)، ان هاتين الظاهرتين تظلان محفوفتين بالابهام تماماً أي ظاهرة غيابه(ع)، ثم ظاهرة ظهوره(ع)..
من الواضح ان غيابه وظهوره هو الموضوع الشامل الذي يرتبط بما نحن فيه أي: بوظيفتنا حيال امام العصر(ع) حيث العمل بما هو مرسوم للشخصية الاسلامية المنتظرة.
لكن ينبغي ان نضع في الاعتبار ان الوظيفة الاسلامية لعملية الانتظار ينبغي الا تتجاوز نطاق الايمان بالغيب وهذا ما اوضحته العبارتان المتقدمتان المشيرة اولاهما الى انه(ع) باذن الله تعالى غاب، وانه(ع) ينتظر امر الله تعالى.
اذن الغياب والظهور كلاهما بامر من الله تعالى. هذه الحقائق مع وضوحها تظل موضع تأكيد بالغ المدى، وذلك لاسباب سيوضحها الدعاء نفسه حينما يحدثنا عن الصلاح وعن علم الله تعالى، وما الى ذلك. من هنا فان الاهمية الكبيرة لهذا المقطع من الدعاء تتمثل في ضرورة الصمت وعدم التنقيب او البحث عن فلسلفة الغياب وفلسفة الظهور وفلسفة الانتظار.
المهم هو ان نذكّر انفسنا بضرورة ان نسلم امرنا الى الله تعالى بالنسبة الى مطلق الامور ومنها فلسفة الغياب وفلسفة الظهور وفلسفة الانتظار ومن ثم التوسل بالله تعالى كما ورد في الدعاء (الا يمتحننا بما امتحن به خلقه)، وهو الامتحان الذي لا يستطيع تجاوزه المنحرفون عن مبادئ الله تعالى، ومبادئ الرسول(ص) ومبادئ المعصومين عليهم السلام فيما نتوسل به تعالى ان يوفقنا الى طاعته والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******