نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الذي يقرأ في عصر الأمام الغائب، للتعجيل بظهوره او بالاحرى للتسليم والاستعداد لظهوره(ع) حيث سنرى ان نفس الدعاء يطالبنا بالا نتعجل او نستبطئ حركته الاصلاحية بقدر ما نتوسل بالله تعالى بان ينتخب ما هو الصلاح لمجتمعاتنا الاسلامية ...
المهم حدثناك عن المقطع الاول من الدعاء البادئ بقوله(ع) (اللهم عرفني نفسك فانك ان لم تعرفني نفسك لم اعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك فانك ان لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فانك ان لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني) هذا هو المقطع الاستهلالي للدعاء ويليه المقطعان الثاني والثالث (اللهم لا تمتني ميتة جاهلية ولا تزغ قلبي بعد اذ هديتني، اللهم فكما هديتني بولاية من فرضت طاعته عليَّ من ولاة امرك بعد رسولك ...).
ان المقطع البادئ بقوله(ع) (اللهم لا تمتني ميتة جاهلية، ولا تزغ قلبي بعد اذ هديتني)، قد حدثناك عن شطره او عبارته الاولى(اللهم لا تمتني ميتة جاهلية) ... حدثناك عن ذلك في لقاء سابق حيث ربطنا بينه وبين العبارة السابقة عليه (انك ان لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني) ... ومن البيّن ان الصلة والرابطة بين العبارة المتخوفة من الاضلال في حالة ما اذا لم يعرف الله تعالى العبد بحجته، وبين العبارة المتخوفة من الميتة الجاهلية تظل من الوضوح بمكان كبير، حيث قلنا ان النصوص الشرعية طالما اكدت بان العبد اذا لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية، ولا احسب ان احدنا ينكر ولو من الزاوية العقلية اهمية هذه المقولة، أي: مقولة (من مات ولم يعرف امام زمانه)، حيث ان لكل عصر لابد من قائد يرجع البشر اليه بشرط ان يكون معصوماً مهدياً من الله عز وجل بحيث يتظل به او يستفيضه من شعاع بركنه، المجتهدون المجسدون لولاية الفقيه وبحيث من الزاوية العامة يستضئ بشعاعه البشر كما وردت التوصية الشرعية بذلك حيث سئل المعصوم(ع) عن كيفية الافادة من امام العصر الغائب فاجاب بانه الشمس، حيث يضيء باشعته الوجوه ...
على اية حال اذا كان الامر كذلك فان الميتة الجاهلية تتحقق في حالة ما اذا جهل المؤمنون امام العصر(ع) طبيعياً مرت اجيال منها اجيال ما يسمى بالفترة المنقطع فيها وجود المرسل من الله تعالى مثل اخريات العصر سبق الاسلام ولكن حتى في هذا السياق فان حنيفية ابراهيم كانت تفرض وجودها على الشخصيات الواعية ولكن خارجاً عن ذلك فان المهم هو العصر الاسلامي الذي ختمت النبوة به، وجعلت الخلافة للائمة عليهم السلام بتوصية من الله تعالى الى رسوله، وبتبليغ رسوله رسالة الله تعالى المذكورة في مناسبات شتى منذ بدء الرسالة الاسلامية التي امر فيها(ص) ان يجمع عشيرته الاقربين الى آخر ايام حياته(ص) حيث نزل الوحي بآية(اليوم اكملت لكم دينكم ...) لذلك فان الأهمية التي خلعها الله تعالى على رسالة الاسلام بحيث جعلها خاتمة رسالاته تفسر لنا ايضاً استمرارية هذه الرسالة الى يوم يبعثون وان الاجيال بمختلف قدمها وحداثتها ما دامت في ختام عدد الأئمة عليهم السلام تجسد امام العصر(ع) واستمراريته الى الظهور اولئك جميعاً تفسر عن معنى تول المعصوم(ع) (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية) بصفة ان الجاهلية لم تشهد رسالة الاسلام واستمراريته.
وهذا ايضاً يقتادنا الى معرفة الشطر الاخر او العبارة الاخرى من المقطع وهي (ولا تزغ قلبي بعد اذ هديتني) حيث ان قارئ الدعاء سوف يدرك بسهولة انه ما دام قد اهتدى الى امام العصر(ع) وهو المهدي(عج) فحينئذ شمله التوفيق ولم يصبح جاهلاً الا ان التخوف هو امكانية ان يضل الانسان من بعد هدايته فيشكك فيه بامام العصر(ع) او برسالته او بمجموع ما يرتبط بالظهور ...، حيث وردت اخبار تحذر من الضلال بعد الهداية حيث تشير النصوص المذكورة، الى ان الفتن والشبهات والشكوك ولبس الامر...، قد يفقد الشخصية تماسكها السابق، وتكون عاقبتها لا سامح الله تعالى الى الضلال ولذلك، يؤكد الدعاء بعبارة (لا تزغ قلبي بعد اذ هديتني).
اذن امكننا ان نتبين جانباً من مقطع الدعاء والمهم هو ان نستثمره وندعو فعلاً والا يزيغ الله قلوبنا بعد اذ هدانا وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******