لا نزال مع المقطع الاخير من احد الادعية، وهو: ما يطلق عليه (عالى المضامين) الخاص بقرائته بعد زيارة الائمة عليهم السلام، وقد ورد في هذا المقطع ما يلي (اللهم ارزقني عقلاً كاملاً ولباً راجحاً، وعزاً باقياً) ثم يقول (وقلباً زاكياً، وعملاً كثيراً، وادباً بارعاً، واجعل ذلك كله لي ولا تجعله علي برحمتك يا ارحم الراحمين).
نواجه في مقطع الدعاء المذكور ثلاثة توسلات هي: ان يرزق الله تعالى قارئ الدعاء قلباً زاكياً، وعملاً كثيراً، وادباً بارعاً... تري: مالمقصود بهذه السمات الثلاثة؟
بالنسبة الى القلب الزاكي، او الزكي فأن الامر من الوضوح بمكان، فالزكاة او التزكية هي طهارة الشيء، اي: بعده عن الوسخ والقذر ونحو ذلك، ومن البين ان القلب الزاكي يظل هو الموفق الى ممارسة ما هو ظاهر، اي: مبادئ الشريعة كما ارادها الله تعالى. وهذا فيما يتصل بالقلب الزاكي...ولكن ماذا بالنسبة الى (العمل الكثير)؟
اولاً ينبغي ان نشير الى مفهوم (العمل) اولا، ثم نلحق به (الكثير)، فمالمقصود من ذلك؟
في تصورنا: ان (العمل) هنا يجئ اما مقابلا لما هو (نظري)، اي: المطلوب من الشخصية الاسلامية ان تعمل بما تؤمن به، فمثلا تعرف الشخصية الاسلامية ان الكذب او الغيبة او العدوان ونحو ذلك محرم، لذلك ينبغي ان نعمل بهذا النهي عن العمل المحرم، لا ان تفهمه نظرياً فحسب.
ان محنة الانسان هي: انه يؤمن بمبادئ الله تعالى ولكنه لا يعمل بها، يؤمن بان مساعدة الاخر واجبة او مندوبة ولكنه لم يساعد الآخر... من هنا توسل الدعاء بالله تعالى بان يرزق قارئ الدعاء (عملاً) لما يؤمن به،... ليس هذا فحسب، بل توسل بان يكون عمله (كثيراً) وليس قليلاً.
هنا يتداعى الى الذهن بأن (العمل) المقصود به هو: انجاز الممارسة العبادية، اي: العمل بمبادئ الشرع،العمل بالطاعة، ولذلك توسل الدعاء بالله تعالى بأن يرزق قارئ الدعاء: عملا ً كثيراً، اي: الطاعة الكثيرة بحيث تمارس الشخصية عملها العبادي بما تطيقه دون توان ٍ منها.
بعد ذلك نتجه الى الظاهرة الثالثة وهي: التوسل بالله تعالى بان يرزق قارئ الدعاء (ادبا بارعاً).
والسؤال هو: مالمقصود من(الادب البارع)؟
الجواب: ان الذهن ليتداعى من كلمة (الادب) الى دلالة هي: السلوك الايجابي وفق مبادئه الاسلامية، حيث ان الاداب المرتبطة بسلوك الانسان من الكثرة ومن التنوع ومن المستويات بمكان كبير... ان لملاقاة الاخوان بينهم مثلاً آدابها المتنوعة،وللتعامل مع الادعية آدابها الخاصة، وللتعامل مع عامة الناس آدابه، وعندما يتوسل الدعاء بالله تعالى بان يرزق القارئ (ادبا)، فهذا يعني انه يتوسل بذلك من اجل الوصول الى ما هو لائق من السلوك: ليس في مستوياته الادنى بل الاعلى، ولذلك قيد (الادب) بكونه (بارعاً)، اي: فيه مهارة خاصة بحيث يجسد شفافية كبيرة في ممارسة هذا السلوك او ذاك.
اخيراً: يختم الدعاء بعبارة (واجعل ذلك كله لي، ولا تجعله علي برحمتك يا ارحم الراحمين).
ان قارئ الدعاء ربما يقفز الى ذهنه السؤال الاتي: ان التوسل بالله تعالى بان يرزق قارئ الدعاء ادبا بارعاً وقلباً زاكياً، وعملاً كثيراً: الا يعني انه دعاء في صالح قارئه؟
واذا: اماذا يقول (اجعله لي ولا تجعله علي)؟
الجواب: في تصورنا ان الالتزام بالسمات المذكورة هو المطلوب، بحيث يفيد الانسان من التوصيات او التوسلات المذكورة بما يمارسه من السلوك المطلوب وليس بما هو عائد عليه بالخسران فمثلاً قد ينصح شخص ما شخصاً آخر بممارسة عمل عبادي، ولكنه يتقاعس عن ممارسته، بينما يفيد الاخر من التوصية المذكورة، فتكون توصيته بالعمل العبادي وبالاً عليه، لانه ترك الممارسة، وعمل بها الاخر الذي تلقى التوصية.
ختاماً نسأله تعالى ان يرزقنا ما ورد في الدعاء كاملاً، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******