نتابع الحديث عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بعبارة (عالي المضامين)، وهو خاص بقراءته بعد زيارة الائمة عليهم السلام وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا من ذلك الى مقطع يتوسل بالله تعالى بان يقبض عنا يد ظالم او باغ، هنا يجدر بنا ان نحدثك عن موضوع الظلم والبغي والفارق بينهما وهو ما نبدأ به الان ...
لقد كررنا في احاديثنا بان القارئ للدعاء لا مناص له من التوفر على قراءة عبارته الدقيقة وملاحظة النكات او الفوارق بين ما يخيل بانها عبارات مترادفة ذات معنى واحد، بينما هي عبارات متفاوتة في دلالتها ومن ذلك عبارات الجور والظلم والبغي، وهنا في مقطع الدعاء نلاحظ بان الدعاء توسل بالله تعالى بان يقبض عنا يد كل ظالم وباغ وهذا يعني ان الظلم هو غير البغي مع انهما يشتركان من جانب آخر في دلالة هي وقوع الاذى او الضرر على الشخص، ولكن ثمة فارق دلالي بينهما ايضاً هو ان الظلم في اصله نقصان الحق، أي عدم اعطاء الشخص ما يستحقه من الشيء كما لو اعطاك البائع مثلاً اقل مما هو متفق عليه، واما البغي فان اصله هو شدة الطلب لما ليس بحق وذلك بالغلبة والسيطرة كما لو حملك مسؤول ما غرماً ليس هو بحق مستثمراً قوته وسيطرته عليك وهذا يعني ان الظلم والبغي هما نمطان من الحاق الاذى بالشخص فالظلم يظلمك بانقاصه لما تستحق والباغي يفرض عليك ما ليس بحق من خلال قوته وسيطرته على الضعيف، من هنا فان الدعاء الذي نتحدث عنه يتوسل بالله تعالى بان يقبض عنا يد كل واحد يتسم بالظلم ويد كل واحد يتسم بالبغي على نحو ما اوضحناه.
هنا يجدر بنا ايضاً ان نحدثك عن العبارة التي عقب بها مقطع الدعاء على التوسلات بالله تعالى بان يقبض عنا يد كل ظالم وباغ وحاسد وسلطان وشيطان، والسؤال هو نحن الان امام استعارة او رمز هو عملية قبض اليد، فماذا تعني هذه العبارة؟
من البين ان اليد هي تبسط وتقبض بطبيعتها العضوية ولذلك يرمز بها الى العطاء والمنع، والى العدوان وعدمه والى المساعدة وعدمها، والان ما دام المقطع من الدعاء يتوسل بالله تعالى ان يكفينا شرور الشيطان والسلطان والباغي والظالم، فهذا يعني انه يتوسل بالله تعالى بان يجعل يد المؤذي منقبضة وليس منبسطة، أي يجعلها غير قادرة على الحاق الاذى بقارئ الدعاء، وهي استعارة او رمز جميل لما يتوسل الدعاء به عن عدم الحاق الاذى بقارئ الدعاء وجمالية الرمز هي ان قبض اليد مؤشر الى عدم وقوع الاذى البتة وهو ما يستهدفه الدعاء كما هو واضح.
بعد ذلك نواجه عدة عبارات تحوم على المعنى المتقدم وهو عدم قدرة العدو على الحاق الاذى بقارئ الدعاء حيث يقول المقطع من الدعاء (واصرف عني كيده واشغله عني بنفسه، واكفني شره، وشر اتباعه، وشياطينه).
هنا نجد جملة عبارات - كما قلنا - تتحدث او تتوسل بالله تعالى بان يكفينا شر الاعداء ولكن النكتة التي نستهدف لفت النظر اليها هي ان مقطع الدعاء طرح موضوعين مختلفين ولكنهما مرتبطان ببعضهما فالموضوع الاول هو معنى عام يتمثل في التوسل بالله تعالى بان يمنع عنا اذى الاعداء اما الموضوع الثاني فهو تحديد اساليب المنع أي ان الله تعالى بمقدوره ان يمنع عنا اذى العدو من خلال انشغاله بمشكلات شخصية تحتجزه من التفكير بالحاق اذاه بقارئ الدعاء، او من خلال فشله في الحاق الاذى بحيث يرد كيده الى من يفكر بالحاق الاذى بقارئ الدعاء وهناك موضوع ثالث هو تصنيف بطبقات المعاونين للعدو وهم الاتباع والشياطين وهناك اخيراً توسل بالله تعالى ان يكفي قارئ الدعاء كل ما هو ضرر عليه ويعطيه كل الخير مما يفكر به قارئ الدعاء او لا يفكر به، أي من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب.
هذه الموضوعات سنحدثك عنها ان شاء الله في لقاءات لاحقة، ونختم حديثنا بالتوسل الى الله تعالى بان يكفينا جميعاً شرور الاخر، ويتفضل علينا بالخير ويوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******