نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الخاص بقراءته بعد زيارة الأئمة عليهم السلام، حيث يطلق عليه اسم (عالي المضامين)، وقد حدثناك عن مقاطع الدعاء، حيث ورد تعقيب فيه على مجموعة حاجات توسل قارئ الدعاء بالله تعالى بان ينجزها له كالحفظ في نفسه، واهله، وماله، وولده، قائلاً: (فاسألك بجاه محمد وآل محمد عليه وعليهم السلام عندك، وبحقهم عليك، وبما اوجبت لهم ولسائر انبيائك ورسلك واصفيائك واوليائك المخلصين من عبادك، وبأسمك الاعظم الاعظم، لمّا قضيتها كلها- أي حاجات قارئ الدعاء - واسعفتني بها ولم تخيب املي ورجائي).
ان هذا المقطع من الدعاء او هذا التعقيب على حاجات قارئ الدعاء ينطوي على نكات في غاية الاهمية من حيث ادب الدعاء ومن حيث الثروة المعرفية التي يتضمنها بالنسبة في اشارته الى النبي(ص) وآله عليهم السلام والانبياء والرسل والاصفياء والاولياء، فضلاً عن الاشارة الى اسم الله الاعظم اولئك جميعاً تنطوي على نكات علينا توضيحها اذن لنبدأ في ذلك.
لقد بدأ مقطع الدعاء بالاشارة الى محمد وآل محمد عليه وعليهم السلام وجعلهم الوسيلة الى قضاء حاجات قارئ الدعاء، والملاحظ ان مقطع الدعاء ارتكن الى سمتين من سمات المعصومين عليهم السلام هما الجاه والحق حيث قال: (فأسالك بجاه محمد وآل محمد عليه وعليهم السلام عندك، وبحقهم عليك).
والسؤال هو لماذا ذكر الدعاء الجاه والحق دون سواهما؟ او ما هي النكات الكامنة وراء ذلك؟
الجواب: اما الجاه فيعني المنزلة او الموقع الذي يحتله الاربعة عشر معصوماً، واما الحق فيعني السلوك المعصوم الصادر عنهم عليهم السلام أي الممارسة العبادية الصادرة عنهم في ارفع مستوياته عند المخلوقين جميعاً، حيث منحهم عليهم السلام الحق المشار اليه، والنكتة هنا هي ان نستخلص بان الوظيفة العبادية التي خلق الله تعالى الانسان من اجل ممارستها تظل هي الهدف اساساً في التجربة البشرية، وهذا ما توفر عليه المعصومين بنحو انفردوا به كما هو واضح.
من هنا جاء الجاه عند الله تعالى او المنزلة التي يحتلها المعصومون عليهم السلام في ارفع مستوياتها، ومن ثم فان الحق لهم على الله تعالى قد اكتسب طابعه المذكور من خلال نجاحهم عليهم السلام في المهمة العبادية وهذا يستاقنا الى ان نجعلهم نموذجاً في محاولة ممارستنا النسبية للمهمة التي خلق الله تعالى الجن والانس من اجلها.
بعد ذلك نجد ان مقطع الدعاء الحق اربعة اصناف بالمعصومين عليهم السلام ليدلل بذلك الى درجتهم الثانية في المنزلة والحق حيث اشار الى كل من الانبياء والمرسلين والاصفياء والاولياء المخلصين، والسؤال الجديد هو التسلسل المذكور للاصناف الاربعة ماذا نستخلص منه؟
الجواب: اما الانبياء والرسل فيعني الاول منهما الشخصيات التي اصطفاها الله تعالى مطلقاً من حيث وظائفهم التبليغية واما الاخر منهما فهي الشخصيات التي اقترن تبليغها لمبادئ الله تعالى بـ"رسالات" معروفة وفي مقدمتها رسالة النبي(ص).
واما الاصفياء فيجسدون درجة ثالثة ممن انتخبهم الله تعالى اصفياء في السلوك بنحو خاص بينما الصنف الرابع هو الاولياء حيث يقصد بهم من اخلص في ممارسته العبادية بنحو عام.
اذن جاء القسم بجاه النبي(ص) وآله عليهم السلام اولاً ثم بالانبياء والرسل ثم بالاصفياء والاولياء بحسب درجاتهم العبادية التي اشرنا اليها.
والمهم هو من جديد علينا ان نستلهم من هذا المقطع مدى اهمية الممارسة العبادية حيث ان درجة الشخصية تتحدد منزلة وحقاً بقدر الحجم الذي تصدر عن الشخصية العبادية. ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة العمل العبادي والتصاعد به الى النحو المطلوب.
*******