نواصل حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من المعرفة العبادية في شتى انماطها، ومن ذلك البعد النفسي والتربوي والاخلاقي الخ، وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة من احد الادعية وهو الدعاء الموسوم بسمة عالي المضامين حيث تضمن جملة ضروب من المعرفة ومنها المعرفة النفسية او الاخلاقية التي سنحدثك عنها المقطع الذي نعتزم ان نحدثك عنه الان هو التوسل بالهل على هذا النحو (وتجعلني رحيب الصدر، واسع الحال، حسن الخلق...)، ولا نحتاج الى تأمل حتى ندرك بوضوح ما يعنيه الدعاء من حسن الخلق ورحابة الصدر، من حيث انتسابه هذه الظواهر الى علم الاخلاق او علم النفس ونحوهما.
ومع وضوح الدلالة في المصطلحات المتقدمة فان الامر بحاجة الى القاء الانارة عليه لاستخلاص من نكاته وهذا ما نبدأ به ...
السمة الاولى الاخلاقية او النفسية هي رحابة الصدر حيث توسل الدعاء بالله تعالى ان يجعله رحيب الصدر والسؤال المهم هو ماذا ترمز عبارة رحابة الصدر او رحيب الصدر؟
الجواب: العبارة المذكورة رمزية اي ترمز الى معنى غير ظاهرها لان الصدر هو جهاز عضوي لا علاقة له بالروح او النفس وسواهما، ولكن الرمز المذكور يومئ الى دلالة هما تحمل الشخصية لشدائد الحياة بحيث تصبر عليها ولا تجزع منها بل تجعل سلوكها مفتوحاً لا يتأثر بمن يسيء مثلاً الى الشخصية وهكذا وقد استخدم القرآن الكريم عبارة الصدر في اكثر من موقع ومنها الآية الكريمة «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ»، حيث ان الانشراح هنا ظاهرة نفسية كما هو واضح وكأن الصدر وهو يختزن القلب والرئة ونحوهما كالنبض او التنفس وسواهما وانعكاس ذلك على حياة الانسان، بحيث اذا فقد القلب او الرئة وظيفتهما تعرضت الشخصية الى الموت او المرض الشديد من هنا، فان انشراح الصدر او رحابته يظل رامزاً الى ما هو مضاد للشدة بصفة ان الشدة كالكآبة او الفقر او فقدان الامن او حصول العدوان، تزول في حالة انشراح الصدر وتخف في حالة الحلم اي رحابة الصدر.
بعد ذلك تواجهنا عبارة "واسع الحال" فماذا نستخلص منها؟ العبارة هنا رمزية بدورها، اي ترمز الى معنى نفسي يختلف عن رحابة الصدر بكونه يشمل جميع السلوك لان واسع الحال هو من يصبح سلوكه شاملاً لكل الانماط بصفة ان سعة الحال تعني سعة ما تواجهها الشخصية من امور، ولذلك فان السعة هنا ترمز الى شمولية السلوك الصادر عن الشخصية بحيث تسع شخصيته كل ما يمكن تصوره من المواجهات المختلفة في الحياة.
هنا قد يستخلص البعض ان سعة الحال تشمل ما هو المحقق لسعادة الشخصية اي ان حالها من السعادة بمكان كبير، وقد نستخلص ثالث معنى مادياً هو سعة الرزق مثلاً الا اننا نستبعد ذلك جميعاً ونجد ان السياق الذي وردت العبارة المتقدمة فيه هو الحالة النفسية للشخص.
اما الظاهرة الثالثة الى توسل الدعاء بالله تعالى ان يجعل قارئ الدعاء ذا خلق حسن فان وضوحها يتمثل في ان حسن الخلق يعني التعامل مع الناس بذكاء وبلين وببساطة وببشاشة، انه مداراة الناس بكلمة بديلة وقد ورد النص القرآني الكريم بالتأكيد على عبارة انك لعلى خلق عظيم بالنسبة الى النبي(ص)
ولذلك قيل بان نصف الايمان هو حسن الخلق ان حسن الخلق مكسب للمحبة ومزيل للبغضاء ومسبب للرزق، حتى انه يحول العدو الى صديق كما هو واضح.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا فعلاً الى ان نصبح رحيبي الصدر، واسعي المال، حسني الخلق وان يوفقنا الى الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.