نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الخاص بقراءته بعد زيارة الائمة عليهم السلام، حيث اطلق عليه مصطلحاً هو انه دعاء عالي المضامين نظراً لاهمية ما ورد فيه وقد حدثناك عن البداية من الدعاء في لقاء سابق ولاحظنا مقطعاً يتجه الى الله تعالى بالقول مستجيراً بعفوك مستعيذاً بحلمك راجياً رحمتك، وقد سبق ان قلنا ان هذا المقطع من الدعاء بعد ان استجار بعفو الله تعالى واستعاذ بحلمه اتجه الى رجائه وهو موضع النكتة من الدعاء متمثلاً في التوكؤ على رحمته في تحقيق طموحاته.
لكن ينبغي علينا قبل متابعتنا لهذا المقطع من الدعاء وصلة ذلك برحمته تعالى ان نقف عند عبارتين هما عبارة مستجيراً بعفوك، مستعيذاً بحلمك، والسؤال هو ماذا تعني هاتان العبارتان؟
لنلاحظ اولاً ان صفة العفو عند الله تعالى ثم صفة الحلم عنده تعالى لابد وان تحملا في هذا الموقع من الدعاء اسراراً دلالية عبادية، هو مسح او محو الذنب من صحيفة قارئ الدعاء لانه أي العفو مأخوذ من اعفاء الاثر كما لو ان الرياح مثلاً ازالت آثار المشي على التراب وهذا يعني ان عفو الله تعالى هو عدم ترتيب العقاب على الذنب، والسؤال هو ما هي الافعال التي تتجانس مع هذا الموقف من الله تعالى؟ الاستجارة من العبد بالله تعالى هي الظاهرة او السلوك ونحسبك تتساءل عن معنى الاستجارة فنقول الاستجارة هي اللجوء الى مركز القوة لانقاء المستجير من الشدة.
من هنا فان العبد عندما يستجير بالله تعالى لانقاذه عندئذ فان العفو من الله تعالى هو الرحمة المناسبة لهذا الموقف لماذا؟
لان طلب انقاذك من الذنوب تحملك على ان تستجير بالله تعالى لمسحها ومحوها من صحيفة اعمالك، وهذا هو مفهوم الانقاذ باجلى صوره حيث ان مسح العقاب وازالته انقاذ تام كما هو واضح.
وهذا بالنسبة لعبارة مستجيراً بعفوك ولكن ماذا بالنسبة الى عبارة مستعيذاً بحلمك؟ هذا بدوره يتطلب مزيداً من الانارة.
الاستعاذة هي طلب الحفظ ومنه العوذة التي تعني الكتابة الخاصة بحفظ الانسان من السوء حيث تكتبا ما هو فيه للحفظ عن السوء.
والسؤال هو لقد استعاذ الدعاء بالله تعالى ولكن باي صفة من صفات الله تعالى؟ ان صفاته جميعاً هي رحمة للمخلوقات ولكن الملاحظ هو ان الدعاء لقد انتخب صفة الحلم لتجسيد الاستعاذة به فما هو السر الكامن وراء ذلك؟
لقد قال الدعاء مستعيذاً بحلمك وهذا يعني ان الحلم هو عدم المسارعة الى ترتيب العقاب وهذا معنى الحلم واما الاستعاذة فهي طلب الحفظ كما اشرنا والسؤال ما هو علاقة حلم الله تعالى بحفظه تعالى لعبده المسيء؟ الجواب هو عندما تطلب الى الله ان يحفظك من السوء فهذا يتجانس مع صفة الحلم التي تعني عدم مسارعته تعالى الى معاقبتك وهذا يقتادك الى ان تكون محفوظاً من تبعات ذنوبك، وهي ظاهرة تتجانس مع ظاهرة عفو الله تعالى حيال من يستجير به، ولكنها تفترق عن ذلك بكونها أي الاستعاذة بحلم الله تعالى بان يتناول حلمه تعالى شدائد حياتك واخرتك بينما العفو عن ذنوبك يتناول حياتك الاخروية كما هو واضح.
بعد ذلك تواجهنا عبارة راجياً لرحمتك وهذا ما حدثناك عنه في لقاء سابق حيث اوضحنا بان الرحمة هي مفهوم شامل ورئيس، يتفرع منه سائر صفاته المتصلة بعطاءاته والمهم هو ان صفة الرحمة من الله تعالى قد اقترنت برجاء العبد أي توقعه من الله تعالى بان يشمله بالرحمة بنحو عام، واما التفصيل فهو ما ورد بعد ذلك من العبارات القائلة لاجئاً الى ركنك عائذاً برأفتك حيث ان الرأفة مثلاً هي الرحمة الاشد أي اذا كانت الرحمة هي مساعدة الله تعالى ورعايته لعبده فان الرأفة هي الرعاية الاكثر لعبده بحيث يعطف عليه بنحو خاص يتلاءم مع ضعف العبد.
واما لجوء العبد الى ركن الله تعالى فيعني الاعتصام به أي الدخول الى ساحة الله تعالى والتشبث بذلك المطاف بحيث لا يصل الى العبد أي سوء.
ونستخلص من ذلك بان لجوء العبد الى ساحة الله تعالى أي عبارة لاجئاً الى ركنك سوف يعقبها عطف من الله تعالى سوف يعقبها رأفة من الله تعلى على عبده وهذا ما عبرت عبارة عائذاً برأفتك عنه أي بعد لجوء العبد الى الله تعالى فان الله تعالى رؤوف بعبده وهذا هو التجسيد الحي للرحمة كما اسلفنا.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******