لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الخاص بتلاوته بعد زيارة الائمة عليهم السلام حيث ورد فيه الخطاب او التوسل المتجه الى الله تعالى بهذا النحو (مستجيراً بعفوك مستعيذاً بحلمك، راجياً رحمتك، لاجئاً الى ركنك، عائذاً برأفتك).
ان هذا المقطع من الدعاء يتوسل بالله تعالى بان يغمره بعطائه وهو عطاء متنوع بطبيعة الحال، ولذلك تجد ان العبارات المستخدمة في هذا الميدان تتضمن عبارات العفو والرحمة والحلم والرأفة.
ولا نحسبك متعجباً من اسراد هذه العبارات المتجانسة والمتعددة ما دامت تتحدث عن عطاء الله تعالى وهو عطاء متنوع ومن ثم فان العبارات المتطلعة الى عطاء الله تعالى لابد وان تتنوع ايضاً.
اذن لنتحدث عن العبارات المتقدمة ومنها العبارة التي تردد كلمتي مستجيراً برحمتك ..
الرحمة هي واحدة من المفردات التي تندرج ضمن عطاءات الله تعالى ولذلك نحتمل ورودها اولاً قبل غيرها من العبارات لاكثر من سبب، ونحسبك ستتساءل عن النكتة الكامنة وراء ما لاحظناه وها نحن نجيبك بما يأتي:
1- يلاحظ ان الله تعالى انتخب لنا عبارة «بسم الله الرحمن الرحيم» لتقرأ في جميع الحالات عند الاكل والنوم والقراءة والصلاة ومطلق ما يصدر من السلوك كما ان استهلال كل سورة قرآنية كريمة بالعبارة المتقدمة ثم ايرادها في نص مفروض القراءة في جميع الصلوات الواجبة والمندوبة أي في سورة الحمد ونعني بها عبارة الرحمن الرحيم، اولئك جميعاً لابد وان تفسر لنا سراً لا مناص من التعرف عليه ما دمنا لا نغفل ولو مرات يومياً من مواجهة صفة الرحمن الرحيم.
اذن لنسلط مزيد من الاضاءة على هذا الجانب.. قبل ان نجيبك عن الملاحظة المتقدمة لابد لنا من الاشارة الى الرحمة التي بدأ بها الدعاء تجسد كلمة عامة ورئيسة بحيث تتفرع منها كلمات اخرى تندرج ضمن مفهوم الرحمة وذلك مثل كلمات الرأفة، الشفقة، والحنان، والعنف.
لذلك فان سبب جعلها أي صفة الرحمة في اول مسلسل كلمات الله تعالى المتصلة بالعطاء والخير يفسر لنا هذا الجانب أي بصفة ان الرحمة هي مصطلح عام ورئيس تتفرع منه صفات اخرى المحنا الى بعضها قبل قليل.
والان بعد ان عرفنا سبب ورود الرحمة قبل غيرها من الكلمات المتصلة بصفات الله تعالى، نتقدم الى توضيح هذه الظاهرة متمثلة كما اشرنا الى كونها أي ظاهرة الرحمة قد جعلها الله تعالى قرآننا وصلواتنا وقراءاتنا وافعالنا، ومتجسدة في عبارتين هما: «الرحمن الرحيم».
ولعلك تتساءل قائلاً ان الرحمان والرحيم كليهما يندرجان ضمن مفهوم واحد هو الرحمة فلماذا هاتان العبارتان الجواب هو: تشير النصوص التفسيرية الواردة عن المعصومين عليهم السلام الى ان الرحمن هي صفة تشمل المخلوقات جميعاً بينما الرحيمصفة تختص بالشخصيات المؤمنة او المخلوقات المؤمنة.
ونعتقد ان هذا التفسير يوضح لنا بجلاء عظمة هذه الصفة الرحمة لانها تشمل حتى غير المؤمنين بالله تعالى، واما الشخصيات المؤمنة فلابد وان تتناولها رحمة اكبر بطبيعة الحال.
اذن مفهوم الرحمة الوارد في مقطع الدعاء من حيث وروده في اولى الصفات لله تعالى يظل موضوعاً جديراً بملاحظته ولكن يبقى ان نتساءل عن دلالة العبارة باكملها وهي استجارة صاحب الدعاء برحمة الله تعالى حيث وردت العبارة في الدعاء بهذا النحو مستجيراً برحمتك نقول الجواب عن التساؤل المذكور وما ينطوي عليه من اسرار بلاغية نحدثك عنها في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******