نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن المقطع الاخير منه، حيث ورد فيه: "يا جواداً لايبخل ياصادقاً لايخلف، ياوهاباً لايمل...الخ" . هذه الفقرات وامثلتها من الممكن ان تثير اكثر من سؤال، من ذلك مثلاً: السؤال الذاهب الى معرفة النكتة الكامنة وراء الصفة المذكورة في المقطع مقترنة بنفي ما يضادها، مثل: الجواد الذي لا يبخل، والصادق الذي لا يخلف، والوهاب الذي لا يمل...الخ. هنا تمكن الاجابة على السؤال المتقدم بجملة أمور، منها: اننا حيال مظاهر عظمة الله تعالى وليس المظاهر البشرية، فالبشر قد يكون جواداً ولكنه قد يبخل في سياقات خاصة اما لعدم تمكنه اساساً من استمرارية جوده مثلاً أو يتأثر بعامل نفسي، ولكن الله تعالى ليس كذلك، انه (كامل) مطلقاً من جانب، وغني لاتنفد خزائنه من جانب آخر، ولذلك لايبخل تعالى، وهكذا بالنسبة الى سائر مظاهر عظمته تعالى...
*******
وحين نتجه الى سائر مظاهر عظمته تعالى، نجد انه تعالى لايخلف وعده، ولايمل من عطائه، الخ. والامر ذاته بالنسبة الى اوصاف ترتبط بقهاريته، وعدله، وغناه، وكبره، وحفظه: كما تعبر الفقرات الآتية عن ذلك، وهي "يا قاهراً لا يغلب، يا عظيماً لا يوصف، يا عدلاً لا يحيف، يا غنياً لا يفتقر، يا كبيراً لا يصغر، يا حافظاً لا يغفل..." وبهذه الفقرة يختم الدعاء، حيث يجدر بنا ان نحدثك – ولو عابراً – عن المظاهر المشار اليها...
*******
بالنسبة الى عبارة "يا عظيماً لا يوصف" تظل من العبارات المفصحة عن الحق، فان تصور عظمته تعالى لايمكن ان يتحقق البتة: نظراً لقصورنا الادراكي اولاً حيث ان الواصف محدود من جانب، ومن جانب آخر فان العظمة ما دامت غير محدودة فكيف يمكننا ان نلم بها ونصفها؟ واما بالنسبة الى فقرة "يا كبيراً لا يصغر" ، فانها تتضمن جملة نكات فائقة، منها: اننا اذا نسقنا مع التجربة البشرية في فاعليتها: حينئذ فان الكبيرمن البشر مثلاً قد ينتهي موقعه الاجتماعي لسبب او لاخر، اي: يصغر موقعه بعد ان كان كبيراً، ولكن بالنسبة الى الله تعالى بما انه مطلق: حينئذ فان عظمته لاتخضع لما هو نسبي بل مطلقة مما تعني ان صفة الثبات والازلية والابدية تظل هي المظاهر الملحوظة...
*******
اخيراً: نقف عند الختام وهي "يا حافظاً لا يغفل" فماذا نستلهم؟ الجواب: ان هذه الفقرة تتسم بما لا نهاية له من اللطف الالهي، حيث ان (الدافع الى الامن) و(الدافع الى الحياة) في سلسلة الدوافع التي يصنفها علماء النفس، تظلان من اقوى الدوافع البشرية، اي: ان الحفظ يعني: ان الله تعالى – يحجز الشخصية من التعرض الى التلف أو وطلق الاذى مما يتنافى مع الحاجة الى الامن النفسي، بصفة ان الفاقد للامن يظل مضطرباً خائفاً لا يقر له قرار، كما ان الفاقد لاستمرارية الحياة لايجد معنى لحياته، من هنا فان فقرة "يا حافظاً لا يغفل" تفصح بوضوح عن ان الله تعالى (يحفظ) الشخصية من الهلاك ومن الاضطراب طيلة حياة الشخصية، وهذا ماعبرت عنه عبارة (لا يغفل) اي: ان الله تعالى لاينسى لحظة من الرعاية لعبده، انه تعالى لا يغفل عن الرعاية لعبده، نظراً لسعة رحمته التي لا حدود لها، سائلين الله تعالى، ان يشملنا دائماً برعايته، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******