اذا تركنا العنصر البنائي وقد حفل بعناصر فنية محكمة، واتجهنا الى عنصر آخر هو الصورة الفنية لوجدنا ان النص المتقدم يحفل بهذا العنصر بنحو ملحوظ ايضاً، فبالرغم من انه (عليه السلام)، يتحدث مباشرة مع شخص يستهدف لفت نظره الى سلبية اذاعة الحديث، نجده يوشح هذا الخطاب بعناصر من التشبيه والاستعارة والتمثيل والفرضية... الخ، فقد قدم تشبيهاً بالنسبة الى اذاعة الحديث هو (المذيع علينا سرنا، كالشاهر بسيفه علينا)... وبعد ان عرض قضايا اخرى عاد الى تشبيه آخر هو (تشبيه التفاوت) فقال:
«يا ابن النعمان، ان المذيع ليس كقاتلنا بسيفه بل هو اعظم وزراً...» وهذا التكرار لعنصر التشبيه في موقعين مختلفين له قيمته الفنية الكبيرة، حيث اخضع التشبيه لنمو او تطور عضوي، اذ انه في التشبيه الاول اكتفى بالقول بأن مذيع الحديث كشاهر السيف، اما في التشبيه الآخر، فقد عبر مرحلة اشهار السيف الى (القتل) ثم عبر مرحلة القتل الى مرحلة اعظم وزراً...
اذن: كم يبدو هذا النمط من التشبيه (مدهشاً) من حيث خضوعه لعملية نمو وتطور فني يشبه نمو الكائن الحي وتطوره... ونتقدم مع النص فنجد تشبيهاً جديداً هو (اني لاعلم بشراركم من البيطار بالدواب)...، هذا التشبيه نطلق عليه تشبيه (التفاوت) حيث انه (عليه السلام) يشير الى انه اعلم باشرار الناس من علم البيطار بالدواب،... وهذا التشبيه في واقعه ضربة موجعة للناس حيث جعل القارىء يستوحي بأن الناس هم شر من الدواب في سلوكهم غير المقترن بالوعي العبادي... وهكذا نجد ان هذا التشبيه وما تقدمه من التشبيهين يجسد نمطاً من التركيب الصوري المدهش الذي يتجاوز التشبيهات التقليدية ليتجه الى صياغة صور ذات طرافة وجدة وعمق اثارة.
ونتابع التشبيهات في هذا النص لنجد ان التجانس بينها: ياخذ بعداً من احكام الصياغة الصورية، حيث قدم في نهاية الخطاب تشبيهاً جديداً ينتسب الى تشبيه (التفاوت) ايضاً:
«يا ابن النعمان، ان الله جل وعز اذا أراد بعبد خيراً نكت في قلبه نكتةً بيضاء فجال القلب بطلب الحق، ثم هو الى امركم اسرع من الطير الى وكره...» ففي هذا التشبيه (أسرع) نلحظ نفس التشبيه الأسبق، اي تشبيه التفاوت (علم بشراركم) مما يكشف ذلك عن بعد جديد هو (التجانس) بين التشبيهات، فكما ان التشبيهات السابقة خضعت لنوع من التطور والنمو وهذا ما يضفي جمالية على عمارة النص، كذلك التشبيهات الاخيرة خضعت لنوع آخر من انواع البناء وهو التجانس بين اجزائه من خلال عنصر التشبيه، هذا الى ان النص يحفل بنمط ثالث من التشبيه وهو (التشبيه المألوف) حيث احتشد النص بعنصر التشبيه بنحو يلفت النظر، لنقرأ مثلاً: المقطع الأخير من النص:
«يا ابن النعمان: ان حبنا أهل البيت ينزله الله من السماء من خزائن تحت العرش (كخزائن) الذهب والفضة، ولا ينزله الا بقدر، ولا يعطيه الا خير الخلق، وان له غمامة (كغمامة) القطر، فاذا اراد الله ان يخص به من احب من خلقه، اذن لتلك الغمامة فتهطلت (كما تهطلت السحاب) فتصيب الجنين في بطن امه»، ففي هذا المقطع ثلاثة تشبيهات (كخزائن) (كغمامة) (كما تهطلت)...
وهذا العدد المتكثر من التشبيهات له أهميته اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الامام (عليه السلام) لا يلجأ الى (الترف الفني) حسب تعريفه (عليه السلام) للبلاغة،... لكن اذا كان السياق يفرض (اللغة الفنية) حينئذ نجد الامام (عليه السلام) يعنى بالفن (وبعنصر الصورة) عناية بالغة حتى ليحشد النص بهذه التشبيهات المتنوعة (تشبيه التفاوت) المألوف، المتجانس، المتنامي عضوياً، المتكرر... وهذا كله فيما يتصل بعنصر واحد من عناصر الصورة....
أما سائر الصور من استعارة وتمثيل ورمز... الخ، فنجد لها مكاناً من هذا النص أيضاً، فيما لا حاجة الى الحديث عنها.
والأمر نفسه بالنسبة للعنصر «الايقاعي واللفظي» حيث احتشد النص بعناصر ايقاعية (العبارة المقفاة، التجنيس)، كما احتشد بقيم لفظية متنوعة، تكرار، محاورة، تقابل...الخ، مما يمكن ملاحظتها بوضوح في هذا النص وفي أشكال أخرى هي:
*******