نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونحدثك الآن عن أحد مقاطعه الذي ورد فيه: "يا مَنْ علمه سابق، يا مَنْ وعده صادق..." الخ، هذا المقطع كسابقه من المقاطع التي تتراوح المقاطع فيه بين مظهر مفرد او مركب من المظاهر التي ترتبط بعظمة الله تعالى، حيث نجد هنا عبارات تركيبية تتحدث عن صفات الله تعالى، وفي مقدمة ذلك ظاهرة "العلم" حيث ربطها المقطع بأحدى مفرداته وهي: معرفته سلفاً بما يحدث في شتى مظاهر الكون، وهذا ما جسدته عبارة "يا مَنْ علمه سابق... فماذا نستلهم من العبارة" .
*******
مما لا ترديد فيه ان علم الله تعالى بنحو مطلق، هو: علم لا حدود له، انه مثل سائر صفاته "مطلق" ولكن المقطع من الدعاء عرض لأحد اشكال العلم، كما قلنا، وهو الاسبقية. فماذا تعني هذه العبارة؟ او ماذا نستلهم منها؟ لا ترديد للمرة الجديدة ان اسبقية علم الله تعالى، تجعل اذهاننا متداعية الى ان الله تعالى عندما يقرر بانه ذو علم سابق فهذا يعني في مقدمة ما يترتب على ذلك هو بالنسبة لا اقل الى تكييف الشخصية من حيث تصويرها في الارحام مثلاً ثم في سلوكها الدنيوي بعامة، ثم ما يترتب على ذلك من جزاء اخروي، أو تحديد مصيرها الابدي... فمثلاً ان الله تعالى يعلم سلفاً بان الشخص الفلاني سوف يلتزم بمبادئ الله تعالى او العكس، حينئذ يكيف ولادته ونشأته ومصيره وفق علمه بما يسلكه، وبهذا نتبين مثلاً دلالة ان يشأ هذا الشخص او ذاك قبل انعقاده جنيناً أو قبل ولادته أو كما ورد في الحديث ان السعيد والشقي هو في بطن امه، حيث يفسر بعلم الله تعالى سلفاً بما سيسلكه الشخص ومن ثم تقرير مصيره الدنيوي والآخروي...
*******
بعد ذلك نواجه عبارة "يا مَنْ وعده صادق" ... ترى ماذا نستلهم من العبارة المذكورة؟ لقد ورد في النصوص القرآنية الكريمة وفي نصوص المعصومين عليهم السلام ان الله تعالى لا يخلف وعده، انه كما تقرر الآية المباركة "لا يخلف الميعاد" والمعطى الذي يفيد القارئ للنصوص الشرعية، هو تعميق معرفته بعظمة الله تعالى وبرحمته وبما يبشر أو ينذر من الثواب والعقاب،... فمثلاً.عندما نقرأ النص الآتي "ربنا، وآتنا ما وعدتنا على رسلك، ولا تخزنا يوم القيامة، انك لا تخلف الميعاد" عندئذ: نتبين أهمية هذه التوسلات بالله تعالى بأن يؤتينا ما وعدنا على رسله من رضوانه وجنانه، وعدم فضحنا يوم القيامة، حيث انه تعالى لا يخلف ميعاده الذي واعدنا... وهكذا...
*******
من هنا، فإن المعطى الرئيسي المترتب على قرائتنا لهذه العبارة، هو ان نلتزم بمبادئ الله تعالى حتى يترتب ميعاده الصادق بما واعد من الرضوان والجنان، وبالمقابل فإن المعطى الآخر، هو ان نحذر من المعصية، نأخذ عقابه تعالى بنحو يحملنا على الخوف من سخطه ونيرانه...
اذن: ادركنا ما تعنيه عبارة "يا مَنْ وعده صادق" بما تتداعى الاذهان من خلاله الى ما اوضحناه...
*******
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******