نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء الجوشن الكبير، حيث نحدثك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي يختم بهاتين العبارتين: "يا مسخر، يا مغير" ... والآن نتجه الى العبارة الاولى وهي "يا مسخر" ... فماذا نستلهم منها؟
*******
لا أحسب اننا نحتاج الى تأمل كبير حتى ندرك سريعاً ان العبارة المتقدمة هي صدى لآيات متنوعة من القرآن االكريم تشير الى ظاهرة "التسخير" اي: توظيفه تعالى لظواهر الكون من اجل إفادة البشر منها، وهذا من نحو قوله تعالى: "...وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر لكم الانهار، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين، وسخر لكم الليل والنهار" .. الى غير ذلك من النصوص القرآنية الكريمة التي تتحدث عن نعمه تعالى حيث سخر لنا ما نفيد منه في حياتنا... اذن: عبارة "يا مسخر" تعني: التذكير بعظمة رحمته تعالى في اشباعه للحاجات البشرية وسواهم.
*******
ونتجه الى العبارة الاخيرة من المقطع وهي "يا مغير" ، فماذا نستخلص منها؟
العبارة المذكورة تتضمن اكثر من دلالة فمن جانب تشير الى ان الله تعالى هو "المغير" لطبيعة الظواهر: بحسب ما تتطلبه الحكمة،... فمثلاً في ميدان السلوك البشري ثمة "تناص" او اقتباس من القرآن الكريم بالنسبة الى احد أنماط التغيُّر وهو، لا يغيِّر الله تعالى بقوم ٍحتى يغيروا ما بأنفسهم.. بمعنى ان "التغيير" الذي يحدث هو ما تتطلبه المصلحة الكونية، سواء اكان التغيير لظواهر طبيعيه مثلاً أو ظواهر بشرية كما هو منطق الآية القرآنية الكريمة المشيرة الى ان الله تعالى يغيِّر تعامله مع البشر بقدر تغيُّرهم ما بأنفسهم، اي: اذا كان الانسان ممارساً للسلوك غير المشروع، اي: ما هو حرام، حينئذ فان الله تعالى لا يغدق عليه رحمته مالم يتخل الانسان المشار اليه من ممارسة الحرام،... من هنا، نجد مثلاً ان الله تعالى يتعامل مع الانسان بقدر ما يتعامل البشر مع الله تعالى من حيث الطاعة او العصيان، فبقدر الطاعة مثلاً تتحدَّد النعمة من الله تعالى، وبقدر المعصية يتحدَّد العقاب وهكذا...
*******
هنا يتعين علينا ان نربط بين عبارة "يا مسخر" وعبارة "يا مغير" حتى نلحظ الصلة بينهما،.. وهذا ما نبدأ بتوضيحه...
من البين ان الله تعالى عندما "يسخر" لنا ما في الكون، حينئذ فان التسخير المذكور، ينبغي ان نوظفه في طاعته تعالى، وإلا فإن ما يترتب على عدم الطاعة من عقاب او عدم رعاية منه تعالى، تفسره فقرة "يا مغيِّر" اي: ان الله تعالى "يغيِّر" ما بالقوم من سلوك بقدر ما يغيرون هم بأنفسهم من سلوك،... وبهذا نتبين الصلة بين العبارتين بالنحو الذي تقدمت الاشارة اليه...
*******
بعد ذلك نواجه مقطعاً جديداً يبدأ على النحو الاتي: "يا من علمه سابق، يا من وعده صادق" وهو مقطع يتحدث عن مظاهر جديدة من عظمته تعالى "حيث نحدثك عن ذلك في حلقة لا حقة انشاءالله تعالى" ..
ختاما: نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******