نواصل حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها: دعاء الجوشن الكبير،حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن أحد مقاطعه الجديدة،حيث بدأ على هذا النحو "اللهم: اني اسألك باسمك: يا مسبب، يا مرغب، يا مقلب... الخ" هذه المفردات او الصفات تظل منتسبة من حيث الصياغة اللغوية الى المفرد من الصفات مقابل المركب منها مثل "ارحم الراحمين" ... والمهم هو: ان نحدثك عن كل منها، ونبدأ ذلك بمفردة "يا مسبب" .. فماذا نستلهم منها؟
*******
لا ترديد ان الله تعالى هو صاحب الفاعلية الكونية، اي: الوجود بأكمله هو: ابداعه تعالى... كل ما في الامر ان الله تعالى اكسب سواه او سبب لسواه أن يمارس هذا لسلوك أو ذاك، فمثلاً: ان الله تعالى هو الخالق للانسان، وهو الخالق لقواه العقلية، وهو الخالق سائر الموجودات والمسبب لها بأن تمارس هذه الفاعلية او تلك من نحو التوظيف للملائكة مثلاً، بان تتنزل باذن ربها من كل أمر.. وهكذا... وهذا يعني ان "المسبب" هو الله تعالى، وهذا ما يفسر لنا دلالة ما تعنيه كلمة "مسبب" .. والادراك لهذه الحقيقة تجعل قارئ الدعاء منتبهاً على عظمة الله تعالى، وأنها هي صاحب الفاعلية الوجودية، وان العبد لا يملك لنفسه ولا ضرا ولا حياة ولا نشوراً.
*******
بعد ذلك تواجهنا عبارة "يا مرغب" .. فماذا نستلهم منها؟ ان كلاً من الترغيب والترهيب يظل من الوسائل، المسببة لتعديل سلوك الانسان، اي: التشجيع لعمل الخير، والتخويف من عمل الشر، الترغيب الى رضاه تعالى والجنة، والتخويف من غضبه تعالى والنار... ومما لا شك فيه ان الترغيب والترهيب قد يتآزران في موقف ما لتعديل السلوك، وقد يكون الترغيب هو المناسب في سياقات خاصة وان الترهيب قد يناسبه سياق آخر، وهكذا...
*******
بيد ان الترغيب يظل في الغالب هو الأكثر استخداما، تجانساً مع رحمته تعالى، حيث وردت النصوص الشرعية الآمرة بان ندعو الآخرين الى الايمان بالله تعالى من خلال الاشارة الى ان المطلوب هو: التحبيب حتى نشجع الآخرين على تعديل سلوكهم.
*******
بعد ذلك نواجه عبارة "يا مقلب" وهي: تعني جملة دلالات، منها: انه تعالى مقلب القلوب مثلاً بمعنى جعلها متحولة من حال الى حال: كما ورد في أحد الادعية هذا النص "يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبي على دينك، ولا تزغ قلبي بعد اذ هديتني" والنكتة التي يتعين علينا ان نلاحظها هي: ان نتداعى بأذهاننا الى العبارة الاولى "يا مسبب" والعبارة الثانية "يا مرغب" ثم الثالثة "يا مقلب" لنجد كيف ان النص جانس بين هذه الدلالات فمادام "المسبب" هو الله تعالى لا سواه، ومادام الله تعالى هو المرغب لنا معطى الممارسة العبادية، اذن: هو "المقلب" قلوبنا الى ممارسة عمل الخير، وبذلك نتبين مدى جمالية هذا المقطع وسواه من مقاطع الدعاء من حيث التجانس بين الدلالات المطروحة بالنحو الذي اوضحناه.
*******
ختاما :ً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******