لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي يختم بهاتين العبارتين: (... يا مرضي، يا منجي، ...). فماذا نستلهم منهما؟ هاتان العبارتان هما امتداد لما سبقتهما من العبارات المتجانسة دلالة وصياغة، حيث تتسم جميع مقاطع الدعاء بهذين الاسلوبين: التجانس دلالياً وجمالياً والمهم الآن هو: ملاحظة ما تعنيه العبارتان او المظهران من عظمة الله تعالي. العبارة الاولي تقرر بان الله تعالي هو (المرضي) . فماذا تعني؟ لو قرآنا العبارة السابقة علي عبارة (يا مرضي) لوجدناها متمثلة في عبارة (يا محيي) وهذا يعني: ان كلمة (محيي) هي: احياء الاموات في اليوم الاخر، ومحاسبتهم، لذلك تجيء عبارة (يا مرضي) لتتداعي بالاذهان الي ان الله تعالي (يرضي) عباده بما يحكم عليهم، وهو العادل، بل هو الرحيم الذي تسبق رحمته عدالته وهذا هو الرضوان من الله تعالي. بعد ذلك نواجه عبارة او مظهر (يا منجي). فماذا نستلهم منها؟ طبيعياً عندما يرضي الله تعالي عباده من خلال الحكم عليهم بالنحو المرضي، حينئذ فان (النجاة) تظل هي: المحددة لموقع الشخصية الخالد، وهو: الجنة ورضاه تعالي (سائلين الله تعالي) ان يمنحنا رضاه والجنة بحق محمد وآله الطاهرين. والآن مع مقطع جديد من الدعاء، يبدأ علي هذا النحو: (يا أول كُلَّ شَيْءٍ وآخره،...)، تري: ماذا نستلهم من العبارة المذكورة؟ الجواب: هذه العبارة ترشح بأكثر من دلالة واحدة، انها - من جانب - تتحدث عن صفة (الاول) و (الآخر) وهما صفتان لله تعالي، حيث يمكن ان تتداعي باذهاننا منهما الي الدلالة الآتية: فبالنسبة الي صفة (الاول)، فان الذهن ينصرف الي انه تعالي هو (الاول) بالنسبة الي الاشياء، التي خلقها تعالي، اي: الموجود قبل كُلَّ شَيْءٍ ، وهو ما يتسق تماماً مع العبارة (يا أولكُلَّ شَيْءٍ) ولا شيء قبله والأمر كذلك بالنسبة الي عبارة (الآخر) ، حيث انه الباقي بعد فناء خلقه. بعد ذلك نواجه (يا اله كُلَّ شَيْءٍومليكه)، هذه العبارة امتداد لسابقتها: كما هو واضح، فما دام تعالي هو اول كُلَّ شَيْءٍ: حينئذ فهو المعبود من قبل خلقه الذي أنشأه، وهو المالك له او المليك له، بمعني: ان من خلقه او ما خلقه يظل مالكاً له، وهي اي صيغة (مليك) صيغة مبالغة لـ (المالك): كما هو واضح، وهو تعبير - من الزاوية البلاغية - يعني: هيمنته وملكيته للكون بنحو مطلق. بعد ذلك نواجه عبارة (يا رب كُلَّ شَيْءٍ وصانعه) وهي عبارة تتطلب شيئاً من التوضيح، بصفة ان (الرب) مع انها مشتركة مع (الاله) في الجملة السابقة، اي: جملة (يا اله كُلَّ شَيْءٍ) فانها تفترق بمعني آخر وكذلك عبارة (صانعه) تفترق عن عبارات لاحقة ترتبط بما هو مشترك علي نحو ما نوضحه لاحقاً ان شاء الله تعالي.
*******