نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا من لا يخلق الْخَلْقَ الا هو، يا من لا يغفر الذنب الا هو، يا من لا يتم النعمة الا هو، ...).
هذه المظاهر أو الصفات التي عرضها الدعاء امتداد لما قبلها من مظاهر عظمته ورحمته تعالي ولابد لنا من التكرار لما عرضناه في أحاديثنا عن هذا الدعاء وسواه، بان فقرات المقطع لابد وان تتجانس فيما بينها، ومنها فقرات مقطع الدعاء الذي نحدثك عنه فماذا نجد؟
العبارة الاولي تقول: (يا من لا يخلق الْخَلْقَ الا هو)، والثانية تقول: (يا من لا يغفر الذنب الا هو) والثالثة تقول: (يا من لا يتم النعمة الا هو). فماذا نستلهم من هذه الفقرات، وما هي الدلالات المشتركة بينها؟
الجواب: العبارة الاولي تقول: (يا من لا يخلق الْخَلْقَ الا هو)، طبيعياً لا خالق للوجود الا الله تعالي واهمية التذكير لهذه الصفة تتجسد في تداعي الذهن الي ما يرتبط بالخلق من حيث انهم مخلوقون قد خلقهم الله تعالي، ان الله تعالي يقول: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ».
اذن عبارة (يا من لا يخلق الْخَلْقَ الا هو) تجعلنا نتداعي الي الغاية من الخلق الا وهي: ممارسة الخلافة أو العمل العبادي، وهذا وحده عطاء عظيم من حيث تذكيره قارئ الدعاء بان يدرك بان الهدف من خلقه هو: ممارسة الخلافة او العمل العبادي وهذا فيما يرتبط بالعبارة الاولي، ولكن ماذا عن عبارة (يا من لا يغفر الذنب الا هو)؟
في تصورنا ان عبارة (يا من لا يغفر الذنب الا هو) تجعل اذهاننا متداعية الي جملة دلالات، منها: ان طبيعة ما خلقه الله تعالي من الخلق (البشر بخاصة) هو: عدم عصمتهم من الذنب والخطأ عدا المعصوم (عليه السلام). لذلك، فان العبد مادام معرضاً للذنب او الخطأ، فان الله تعالي - وهو الرحيم بعباده - يذكرهم برحمته التي لا حدود لها، بانه تعالي يغفر ذنوبهم تشجيعاً لهم علي الاقلاع عن الذنب، والتوبة الي الله تعالي.
اذن الصلة بين عبارة (يا من لا يخلق الْخَلْقَ الا هو) وعبارة (يا من لا يغفر الذنب الا هو)، قد اتضحت بجلاء وفق ما اوضحناه ولكن ماذا بالنسبة الي العبارة الثالثة وهي: (يا من لا يتم النعمة الا هو)؟
الاجابة من الوضوح بمكان، فان الله تعالي وهو يخلق الْخَلْقَ، وهو يغفر ذنوبهم، انما يتم النعمة عليهم فمع انهم مذنبون، الا ان سعة رحمته تظل ممتدة ويتم تعالي سائر النعم علي عباده، ان اتمام النعمة هي: استمرارية عطاء الله تعالي، وفي مقدمتها: التوفيق للولاية، ولاية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر المعصومين (عليهم السلام) خلفاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
*******