نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن أحد مقاطعه الذي يختم بهذه العبارة: (يا من لا يحيي الموتي الا هو)، فماذا نستلهم منها؟
ان العبارة المذكورة جاءت في سياق الحديث عن ابداع الله تعالي وعطائه، حيث جاء المقطع الخاص بهذين الموضوعين حافلاً بأمثلة: (يا من لا يُصْرَفْ السوء الا هو)، (يا من لا يُنَزِّلُ الْغَيْثَ الا هو)، (يا من لا يَبْسُطُ الرِّزْقَ الا هو) وامثلة (يا من لا يخلقالْخَلْقَ الا هو)، (يا من لا يُدَبِّرُ الأَمْرَ الا هو)، ثم (يا من لا يحيي الموتي الا هو)، حيث يختم المقطع بهذه العبارة، لذا نتساءل جديداً: ماذا نستخلص من النكات الدلالية في العبارة المتقدمة؟
العبارة المتقدمة تحمل دلالتين يستطيع القارئ للدعاء ان يستلهمهما من ذلك.
الاولي: انها تتحدث عن احد مظاهر عظمة الله تعالي في ايجاده للكون وفي توظيف الخلق حيال ذلك.
اما الثانية: فان العبارة وردت - كما ذكرنا - في سياق الابداع للوجود من جانب، وفي سياق عطاءات الله تعالي من جانب آخر وفي الحالتين يمكننا ان نستخلص ما يأتي.
۱. ان الله تعالي عند ما تحدث عن الخلق، وابداعه، وعطائه: ختمه بالحديث عن احياء الخلق بعد مماتهم، وهذا يعني: ان ابداعه وعطائه تعالي سوف ينسحبان علي زمان لاحق يترتب علي هذه الحياة الدنيا من حيث كونها جسرا للاخرة.
۲. ان ذلك يشكل تذكيراً لمهمة الانسان في هذا الوجود الذي أبدعه تعالي وأودع عطائه لنا وهذا يعني: ضرورة ان نستثمر نحن القراء للدعاء هذا الجانب من حيث النجاح في تحقيق المهمة العبادية التي خلق الله تعالي الانسان من أجلها، وسكب عطاءاته المتنوعة وسخرها لنا في غمرة مهمتنا العبادية.
اذن ختام المقطع من الدعاء بعبارة (يا من لا يحيي الموتي الا هو)، قد اضطلع بأداء فني ودلالي له: نكتته بالنحو الذي اوضحناه، بهذا ننتهي من احد مقاطع الدعاء، لنتجه الي مقطع جديد يبدأ بهذا النحو: (يا معين الضعفاء، يا صاحب الغرباء، يا ناصر الاولياء، ...) هذه الفقرات وما بعدها، يمكننا ان نعدها امتدادا للسابق من المقاطع بخاصة اننا رأينا في المقطع الاسبق مدي ما أنتظمه من التلميح الي رزق الله تعالي، ودفع السوء، وها هو المقطع جديداً: يلمح بهذه العطاءات، ولكن في سياق جديد هو: عطاؤه تعالي لأنماط متنوعة من البشر بحسب ما يتطلبه الموقف من الرعاية.
والسؤال الآن هو: ما هي صنوف الرعاية من الله تعالي لعباده الذين يعانون من الشدائد؟ والحالات؟
ثمة رعاية للضعيف، واخري للغريب.
وثالثة لنمط آخر هو: الولي من حيث كونه مطيعاً لله تعالي، ومحتاجاً لنمط آخر من الرعاية.
والمهم هو: ملاحظة كل من هذه الانماط المتجانسة اي: المتجانسة في خضوعها لرعاية الله تعالي الخاصة بهم.
۱. النمط الاول من الشدائد التي تصيب الانسان هو: الضعيف.
۲. الثاني من الانماط هو: الغريب.
۳. الثالث من الانماط هو: الولي.
وبما ان هذه المفردات تحتاج الي مزيد من الاضاءة فاننا نؤجل الحديث عنها الي لقاءات لاحقة ان شاء الله تعالي.
*******