نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الجوشن الكبير حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن أحد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا فاتح، يا كاشف، يا ضامن، يا آمر، يا ناهي، ...).
العبارات المتقدمة تتضمن جملة من مظاهر عظمه الله تعالي، وفي مقدمة ذلك عبارة (يا فاتح) ثم عبارة (يا كاشف) وهاتان العبارتان متجانستان مع عبارة سبقتهما ونعني بها عبارة (يا فارج) حيث حدثناك عنها (في لقاء سابق)، والتجانس بين هذه العبارات هو عطاء الله تعالي متمثلاً في رفعه تعالي للشدائد في مختلف انماطها، حيث استخدم مصطلح الفرج، والفتح، والكشف ولعلنا جميعاً لا نجهل الفة العبارات التي تتحدث بها مطلق النصوص في الادعية وسواها، حيث تتردد عبارات من امثال (يا فارج الهم)، (يا كاشف الغم) والمهم الان هو ملاحظة العبارتين (يا فاتح)، (يا كاشف).
بالنسبة الي عبارة (يا فاتح) تنسحب علي جملة دلالات منها، ان الله تعالي يفتح لعباده الرزق والرحمة ومطلق العطاء، كما تنسحب الكلمة علي معني هو القضاء بين عباده تعالي، مثل قوله تعالي في النص القرآني الكريم «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ»، فعبارة «افْتَحْ» تعني احكم بيننا وبين قومنا، وهو امر ينسحب بخاصة علي اليوم الآخر، حيث انه تعالي يفصل بين عباده في هذه الظاهرة او تلك كما ينسحب علي الحياة الدنيا في المعركة بين الحق والباطل في دعاء المؤمنين بالنصر.
ونتجه الي عبارة (يا كاشف). فماذا نستلهم منها؟ الكشف هو الاظهار او الرفع للشيء كما لو رفع الله تعالي الشدة عن المؤمن بعد أن شكلت عليه بمثابة غطاء يجثم علي صدره، وبذلك يكون الفارق مثلاً بين عبارة (يا كاشف) وعبارة (يا فارج) او (يا مفرج)فمثلاً في ان الفرج هو الانفتاح بعد الانغلاق مع ان الكشف هو الرفع للشدة مثلاً بعد ان يجثم علي الصدر، والمهم هو اننا نلاحظ مدي الدقة ومدي الفرز بين نمط الشدائد ونمط ازالتها، فقد يكون الانسان في شدة هي من الدرجة التي تطبق علي شخصيته بحيث لا يري منفذا للخروج منها ثم (يفرج) عنه كما لو كان مديناً ثم أيسر، او (يكشف) عنه كما لو كان مريضاً ثم شفي، حيث ان اليسر بعد الدين، والشفاء بعد المرض يفترقان من حيث الدقة في نمط ازالة الشدة كما اوضحنا.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا ضامن). فماذا نستخلص منها؟
(الضامن) في اللغة هو الكفيل والملتزم، وفي ضوء هذه الدلالة نستكشف بوضوح مدي ما نعنيه هذه الصفة او المظهر لدي الله تعالي ان الله تعالي يتكفل لعبده في قضاء حوائجه ورفع شدائده حتي خارجاً عن دعاء العبد بمعني ان الله تعالي يتكفل شؤون عبده ما طلبه العبد وما لم يطلبه او لنقل كان واعياً لما تيسر له من الامر أو غافلاً عن ذلك لان الله تعالي هو الحافظ لعبده، والمهيء له من الوسائل ما لم يحلم بها هو نفسه، وهذا هو منتهي ما يمكن تصوره لرحمته تعالي، فكما ان الشخصية المدينة مثلاًً تحتاج الي من يكفلها وينقذها من شدتها، كذلك تعالي يكفل عبده وعي ذلك العبد او لم يع.
*******