نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الان عن أحد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا أكرم مقصود قصد، يا أكرم مسؤول سُئل، يا أشرف محبوب عُلم، ...)، بهذه العبارات خُتم مقطع الدعاء لنواجه بعد ذلك مقاطع أخري، ولكن لنتحدث الآن عن العبارة الاولي وهي (يا أكبر مقصود قـُصد). فماذا نستلهم منها؟
واضح، ان القصد الي هذا الشيء أو ذاك معناه: أنك نويت بأن تقصد أحد الاشخاص وذهبت اليه فعلاً وكان قصدك من الذهاب الي هذ الشخص: مساعدته أياك وواضح أيضاً، ان هذا المقصود أما أن يخيب أملك فلا يساعدك أو يساعدك قليلاً، أو ان امكاناته أساساً لا تسمح له بمساعدتك البتة، فإذا كنت بحاجة الي الملايين من النقود: حينئذ فإن دخله المحدود لا يسمح له بمساعدتك.
اذن المساعدون يختلفون في أمكاناتهم ولكن عندما نقصد الله تعالي، فإنه تعالي بيده خزائن السموات والارض بعكس الشخص القاصر أساساً الا من الله تعالي هو الذي خلق في هذا الشخص القابلية المحدودة بحيث لا يستطيع تجاوزه، وهذا ما يفسر لنا معني العبارة (يا أكبر مقصود قصد) حين أستخدم الدعاء عبارة (أكبر) وهي تعني: الله اكبر منه تعالي في امكاناته، لأنه تعالي مطلق ولا حدود لقدرته، يستطيع أن يقول للشيء كُن فَيَكُونُ، أذن أتضح معني (يا أكبر من كل مقصود قـُصد).
ونتجه الي عبارة (يا أكرم مسؤول سُئل)، فماذا نستلهم منها؟
في العبارة السابقة (يا أكبر مقصود قصد) كان هدفها، هو التعريف بالمقصود، أما في عبارة (يا أكرم مسؤول سُئل)، فإن هدفها هو المرحلة اللاحقة بتعريف المقصود، أي: التعريف بمدي مساعدته للشخص، وهذا ما يتضح بجلاء حينما نجد أن النص يتحدث عن (السؤال) وليس عن المقصود، والمهم هو: أن النص في صدد تعريفه بالله تعالي من حيث كرمه، وعلاقة ذلك بمن سأله العطاء، هنا ينبغي لفت نظرك الي نكتة بلاغية وهي: أن الكرم هو أعطاء الاكثر من الشيء، وهذا ما يتسق مع عبارة (مسؤول)، أي السؤال منه تعالي في المساعدة، حيث يشير النص الي أن الله تعالي هو أكرم المسؤولين في العطاء بحيث يمنح الكثير وليس المحدود من الشيء.
العبارة الاخيرة من المقطع هي (يا أشرف محبوب عُلم): الشريف لغوياً، هو ذو المكانة العالية فإذا سحبناها علي هذا النص من الدعاء (يا أشرف محبوب علم) نجد دلالتها تتمثل في جملة نكات، أولها أنه تعالي لا أشرف منه في الوجود، ومنها المحبوبية، فما دام الله تعالي ذو المكانة العالية التي لا يشاركه فيها آخر، فهذا يعني أن الله تعالي لا أحد مثله يتميز بمحبوبية عالية تتناسب مع موقعه العالي، وأما عبارة (عُلم) فتعني: لا أحد يمكنه أن يجد غير الله تعالي، له مكانته المحبوبة في النفوس.
*******