فمثلاً للتعرف على حقيقة الدعوة الإسلامية، يجب الإعتماد (مضافاً على القرآن المجيد والتعاليم والمناهج الاسلامية) على دراسة تاريخ النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وحياته وأخلاقه وسلوكه وعلاقاته وطريقة تعامله في الحروب والغزوات وسائر حالاته وحالات أهل بيته الاطهار عليهم السلام.
وللتعرف على قيمة وحقيقة وعلل ونتائج الثورة الحسينية المباركة لا بد من المرور على سيرة الحسين عليه السلام وفضائله ومناقبه ومعجزاته وكراماته ومكارم اخلاقه ومحامد أوصافه ومحبوبيته ومكانته الاجتماعية وشهادة اعدائه بمقامه، وغير ذلك مما يرتبط بشخصيته، لكي نحصل على ثواب ذكر فضائله مضافاً الى التعرف على حقيقة إمام الأحرار بقدر استعدادنا لتلقي الحقائق.
سمات الحسين عليه السلام اللامعة في كتاب الله ([1])
1- آية المودة: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾([2])
روى أحمد بن حنبل في "المسند" وأبو نعيم الحافظ، الثعلبي، الطبراني، الحاكم النيشابوري، الرازي، الشبراوي، ابن حجر، الزمخشري، ابن منذر، ابن ابي حاتم، ابن مردويه، السيوطي وجمع آخر من علماء اهل السنة بأسانيدهم عن ابن عباس، قال: "لما نزلت هذه الآية، قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟
فقال لهم: "علي وفاطمة وأبنائهما"([3])
وقد نظم في هذا المعنى الشيخ شمس الدين ابن عربي:
رأيت ولائي آل طه فريضةً على رغم اهل البُعد يورثني القُربا
فما طلب المبعوث أجراً على الهدى بتبليغه إلاّ المودّة في القربى([4])
وقال الشافعي في هذا الشأن:
يا أهل بيت رسول الله حبّكم فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنّكم من لم يصلّ عليكم لا صلاة له([5])
2- آية التطهير: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾([6])
وردت احاديث متواترة ومشهورة عند الفريقين – السنة والشيعة – في أنّ آية التطهير نزلت في مورد اجتماع أشرف شخصيات عالم التكوين، أي الخمسة أصحاب الكساء والذين صلى ودعا لهم الرسول صلى الله عليه وآله مرات متكررة في بيته وفي بيت فاطمة الزهراء عليها السلام وفي حجرة أم سلمة وبعض الأماكن الأخرى، فهذه الآية الشريفة والأحاديث الواردة في تفسيرها تدلّ بوضوح على عصمة وجلالة شأن الإمام الحسين عليه السلام.
وفيما يتعلق بهذه الآية الشريفة وأحاديث الكساء ومتونها، ألّفت كتب كثيرة، وقد نقل قسماً منها بعض الرواة مثل صبيح([7])، ونقل مسلم والبغوي والواحدي والوزاعي والمحب الطبري، والترمذي وابن الأثير وابن عبد البر واحمد والحمويني والزيني الدحلان والبيهقي وآخرون عن عائشة وأم سلمة وأنس ووائلة وصبيح وعمر بن أبي سلمة ومعقل بن يسار وأبي الحمراء وعطية وأبي سعيد وأم سليم، روايات عديدة في هذه الواقعة الجليلة والمنقبة العظيمة.
عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر فجاء الحسن بن علي فأدخله فيه ثم جاء الحسين فأدخله فيه ثم جاءت فاطمة فأدخلها فيه ثم جاء علي فأدخله فيه ثم قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾.
وروى الأوزاعي عن شداد بن عبد الله قال: سمعت واثلة بن الأسقع وقد جيء برأس الحسين عليه السلام فلعنه رجل من أهل الشام ولعن أباه فقام واثلة وقال: والله لا أزال أحب علياً والحسن والحسين وفاطمة بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيهم ما قال، لقد رأيتني ذات يوم وقد جئت النبي صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة فجاء الحسن فأجلسه على فخذه اليمنى وقبله ثم جاء الحسين فأجلسه على فخذه اليسرى وقبله ثم جاءت فاطمة فأجلسها بين يديه ثم دعى بعلي ثم قال ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾([8]).
وروى "الدولابي" في "الذرية الطاهرة" عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة: ائتيني بزوجك وابنيك. فجاءت بهم وأكفأ عليهم كساءً فدكيّاً ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد انك حميد مجيد.
قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: "إنّكِ عل خيرٍ"([9])
وروى، الحمويني نظير هذه الرواية عن وائلة. ([10])
وروى الواحدي في أسباب النزول وأحمد في المناقب والطبراني عن أبي سعيد الخدري أنّ آية ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ﴾ نزلت في حق خمسة أشخاص وهم: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.([11])
وروى أحمد عن أم سلمة مثله.([12])
وروى مثله الواحدي ([13]) بسنده عن أم سليم.
وهذه الأحاديث الكثيرة تدل على عصمة سيد الشهداء عليه السلام وأنّ كل عمل ونهضة تصدر عنه، إنّما هي مطابقة للصواب والحقيقة وقد استدلّ السيوطي بهذه الآية وقال: الكلّ يعتبر أنّ اجماع أهل البيت عليهم السلام، حجّة، لأن الخطأ رجسٌ وقد نفاه الله عنهم.([14])
3- آية المباهلة: ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾([15])
من جملة الآيات الدّالة على فضيلة وعلوّ مقام ورتبة سيّد الشهداء عليه السلام وباتفاق المسلمين هي آية المباهلة الشريفة.
وتعدّ قضيّة المباهلة بين النبي صلى الله عليه وآله ونصارى نجران من أوضح مظاهر ودلائل قوة إيمان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وتمسكه واعتقاده برسالته، إذ أنّ الدعوة إلى المباهلة من قبله إذا لم تكن مقرونة بإيمانه الراسخ بدعوته، لكانت انتحاراً حقيقياً وسنداً مهماً بيد أعدائه لإبطال رسالته.
إذ إنّ الأمر لم يكن ليخلو من إحدى نتيجتين، إمّا أن يستجاب دعاء النصارى بإنزال اللعنة الإلهية على جانب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وإمّأ أن لا يستجاب دعاء كلا الجانبين، وفي كلتا الحالتين تبطل دعوى الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، ولم نعهد عاقلاً ادّعى النبوة قد اقترح مثل هذا الإقتراح والتحدي إلاّ إذا كان على يقين واطمئنان تامّين من استجابه دعائه في هلاك أعدائه، وقد كان النبي محمد صلى الله عليه وآله حاملاً لمثل هذا اليقين، ولذا قام بكل جرأة وشجاعة بمثل هذا الإقتراح، وهذا الثبات والطمأنينة هو الذي أجبر خصمه على الإنسحاب.
كما أن إشراك الإمام علي والحسن والحسين وفاطمة الزهراء عليهم السلام في المباهلة بأمر من الله تعالى، لخير دليل على أن هؤلاء النفر الأربعة هم خير خلق الله تعالى وأعزّ الناس على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله.
أجل، لقد كانت آية المباهلة إعلان جلالة ومقام هؤلاء الأطهار وقربهم من الله تعالى ومن ثم كانت هذه الفضيلة واحدةً من أهمّ فضائل الإمام الحسين حيث انتخب من بين كلّ الأمة الإسلامية، أطفالها وشبّانها وشيوخها رجالاً ونساء، ليكون أحد دعائم هذه القضية التاريخية والمنعطف العقائدي الخطير، بمعية أُمّه وأبيه وأخيه.
وفي الوقت الذي نجد أنفسنا في غنىً عن ذكر المصادر والمراجع التي نقلت هذه الحادثة لكبار مفسري ومحدثي ومؤرخي المسلمين إلاّ أننّا سنذكر طرفاً منها ليراجعها من أراد الوقوف على المزيد من حقائقها: تفسير الطبري، البيضاوي، النيشابوري، الكشاف، الدر المنثور، اسباب النزول الواحدي، الاكليل للسيوطي، مصابيح السنّة، سنن الترمذي وكتب أخرى.
المصدر: أشعة من عظمة الإمام الحسين (عليه السلام)
-----
[1] - لا يخفى أن الآيات النازلة في شأن أهل البيت والشاملة للإمام الحسين عليه السلام كثيرة ولكننا ورعاية للإختصار نتعرض إلى ثلاث آيات فقط، ومن أراد مزيد الإطلاع فليراجع كتب التفسير والحديث ومن جملة تلك الآيات الأخرى آية 35،37 من سورة البقرة والآية 22 سورة الرحمن، والآية 27 سورة الفجر، وسورة هل أتى وآيات أخرى.
[2] - سورة الشورى، الآية 23.
[3] - احياء الأموات ج 2، الإتحاف ص 5، الصواعق ص 168، الأكليل ص 191، الغدير ج2 ص 107، خصائص الوحي المبين ف 5 ص 55-52، ابن بطريق ف 9 ص 25- 23.
[4] - الصواعق المحرقة ص 170، اسعاف الراغبين ص 119.
[5] - نظم درر السحطين ص 18، اسعاف الراغبين ص 121، الإتحاف ص 29، الصواعق ص 148.
[6] - سورة الأحزاب آية 33.
[7] - اسد الغابة ج 13 ص 11. الاصابة ج 2 ص 175 -33- 4.
[8] -اسد الغابة ج 2 ص20.
[9] - ذخائر العقبى ص 24. العمدة ف 9 ص 25. ونقل في الفصل 8 ص 22-15 وفصول أخرى احاديث كثيرة عن أهل السنة في اجتماع الخمسة المصطفين.
[10] - فرائد السمطين ج 1 ص 366.
[11] - ذخائر العقبى ص 24 . وذكر فيه طرق هذا الحديث في الصفحات 24-21. اسباب النزول ص 267.
[12] - السيرة النبوية ج3 ص366.
[13] - اسباب النزول ص 267.
[14] - الأكليل ص 178، ولا يخفى أن أسانيد هذا الحديث في الكتب الشيعية كثيرة جداً، وقد روى متن بعض هذه الأحاديث بنحو مفصل مثل حديث الكساء.
[15] - سورة آل عمران، الآية 61.