والمكاتبة هي: كلام علمي يتم من خلال تقديم الاسئلة العلمية والرد عليها،... وهذا من نحو ما ألمحنا اليه في مقدمة حديثنا عن أدب الامام (عليه السلام) حيث لحظنا أن الحسن البصري وجه اليه سوالاً عن (القدر) فأجابه (عليه السلام) (مكاتبة) على ذلك،... والمهم هو: أن جوابه (عليه السلام) قد اتسم بطابع (الاقتصاد اللغوي) الذي لحظنا انسحابه على رسائله المتنوعة... فمع ان قضية فلسفية او كلامية مثل (القدر) تتطلب جواباً مفصلاً، الا انه (عليه السلام) اكتفى من ذلك بالعبارات الآتية:
«اما بعد، فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره ان الله يعلمه فقد كفر، ومن احال المعاصي على الله فقد فجر، ان الله لم يطع مكرهاً، ولم يعص مغلوباً، ولم يهمل العباد سدى من المملكة، بل هو المالك لما ملكهم، والقادر على ما عليه أقدرهم، بل أمرهم تخييراً ونهاهم تحذيرأ، فان ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صاداً، وان انتهوا الى معصية فشاء ان يمن عليهم بان يحول بينهم وبينها: فعل، وان لم يفعل فليس هو الذي حملهم جبراً ولا ألزموها كرهاً، بل من عليهم بأن بصرهم وعرفهم وحذرهم وأمرهم ونهاهم، لا جبراً لهم على ما امرهم به فيكونوا كالملائكة، ولا جبراً لهم على ما نهاهم عنه «فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم اجمعين» والسلام على من اتبع الهدى».(۱۰)
صحيح، ان هذه المكاتبة تتضمن شيئاً من التفصيل لقضايا الجبر والاختيار، الا ان هذه القضية الكلامية بصفتها من القضايا التي تتطلب شرحاً واسهابا وتفصيلاً - كما هو ملاحظ لدى المعنيين بالقضايا الكلامية- ... هذه القضية حينما يختصرها الامام (عليه السلام) في سطور محدودة، حينئذ نستكشف مدى حرص الامام (عليه السلام) على الاقتصاد اللغوي بهذا النحو الذي لحظناه.
المهم، أن الاقتصاد اللغوي يظل - في الواقع- مرتبطاً بطبيعة السياق الذي يرد فيه،... واذا كانت (المكاتبة) - وهي تتطلب تفصيلاً علمياً موسعاً- قد اقتصر فيها من حيث الاقتصاد اللغوي على سطور، فان هناك نمطاً اخر قد توفر الامام (عليه السلام) عليه يقتصر فيه على كلمات وليس على سطور، نظراً لمتطلبات السياق،... وهذا ما يدرج ضمن عنوان المكاتبة.
*******
(۱۰) تحف العقول: ص ۲۳۲، ۲۳۳.
*******