نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا قابل، يا كامل، يا فاصل، يا واصل، ...)، هذه المظاهر او الصفات المرتبطة بعظمة الله تعالي وبرحمته، تحتاج الي شيء من تفصيل الحديث عنها، وهذا مانبدأ به الآن، فنقف عند عبارة (يا قابل). فماذا نستلهم منها؟
نعتقد ان قارئ الدعاء سوف ينتقل ذهنه من عبارة (يا قابل) الي ابرز صفات الله تعالي من حيث الرحمة ألا وهي: قبوله تعالي للتوبة، ان الانسان - عدا المعصوم (عليه السلام) - يظل عرضة للخطأ والخطيئة، ومن رحمته تعالي انه اذا تاب العبد من ذنبه يتوب الله عنه، وهذا ما نلحظه في الآية المباركة القائلة عن الله تعالي بانه (قابل التوب).
اذن (يا قابل) تظل متداعية بالذهن الي رحمته تعالي متمثلة في قبوله توبة عباده.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا كامل) وهي عبارة ترتبط بعظمة الله تعالي من حيث كماله غير المحدود، حيث يتفرد تعالي بصفته المذكورة، متمثلة في ابداعه للوجود بما يواكبه من قدرة وعلم وارادة وخير، وكلها صفات لكماله تعالي مقابل عدم كمال المخلوقات: كما هو واضح. ولعل اهم المعطيات المترتبة علي كماله تعالي ان المبادئ التي رسمها الله تعالي لنا، وطالبنا بالعمل من اجل ممارستها، حيث تنطوي علي المبادئ الكاملة في تحقيق ما نتطلع اليه - نحن البشر مثلاً - من تحقيق الاشباع دنيوياً وآخروياً.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا فاصل). فماذا نستلهم منها؟
ان (الفصل) بين ما اختلف فيه من انماط السلوك البشري يظل ابرز ما يمكن لقارئ الدعاء ان يستخلصه من عبارة (يا فاصل). بل يمكننا الذهاب الي ان مفهوم (الفصل) في اليوم الآخر يظل ابرز مصاديق الصفة او المظهر المذكور، ان القرآن الكريم طالما يشير الي (الفصل) في اليوم الآخر في نطاق تحديد معالم الاشياء او السلوك من حيث الاختلافات التي رسمت البشرية وسواها، وهذا مثل قوله تعالي: «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا» حيث يشير الي ظاهرة القضاء الذي يفصل تعالي فيه بين الخلائق، وهو ما تومئ اليه آيات مباركة آخري مثل قوله تعالي: «يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» ومن البين ان الفصل آنئذ يظل هو التعبير عن الحياة الابدية الخالدة التي تتجدد فيها مصائر البشر طبقاً لما يترتب من نتائج سلوكهم الدنيوي في عملية الاختبار او الامتحان او الخلافة في الارض.
بعد ذلك نوجه عبارة (يا واصل). فماذا نستخلص منها؟
ان (الوصل) من حيث اللغة ينسحب علي اكثر من دلالة، منها: الاحسان والبّر والعطاء بمعني ان الله تعالي يحسن الي عباده، ويقدّم لهم عطاءاته المتنوعة، وهي صفة لا تحسب ان احداً منا علي جهالة بذلك. كما ان الكلمة المذكورة يشير اليها اللغويون من زاوية اخري وهي: انها من الكلمات متعددة الدلالة مثل: عدم الهجر او الانقطاع بمعني انه تعالي علي مقربة من عبده لا يهجره ولا يملّ منه: بعكس البشر في تصرفاتهم القائمه علي عدم مواصلة احسانهم ومحبتهم بل يتميزون بهجران اخوانهم لاقلّ سبب مثلاً ابنيها نجد انه تعالي يحلم عن العبد حتي ليظنّ العبد ان الله تعالي لا يعاقبه، بالاضافة الي انه تعالي يفسح لعبده المجال للتعامل وايّاه تحننا منه ورحمة اي: لا يهجر عبده بل يواصل رعايته للعبد.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من الصفات أو مظاهر رحمته تعالي وعظمته، سائلين الله تعالي ان يمنّ علينا، وان يتفضل علينا برعايته، وان يوفقنا الي طاعته، والتصاعد بها الي النحو المطلوب.
*******