نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا مَنْ لا شبيه له ولا نظير، يا خالق الشمس والقمر المنير،... الى آخره)، والآن نبدأ فنحدثك عن العبارة الاولي وهي: (يا مَنْ لا شبيه له ولا نظير). فماذا نستلهم من العبارة المذكورة؟
سبق ان كررنا بأن النصوص الشرعية تختلف عن النصوص العادية بكونها تعصم عن الى آخر هطأ، والعبث، ونحوهما، فاذا استخدم النص الشرعي عبارة (شبيه) و (نظير) فهذا لا يعني انهما مترادفان: كما قد يخيل ذلك الي بعض الناس بل ان لكل من هاتين الصفتين، ونعني بهما: (يا مَنْ لا شبيه له ولا نظير): دلالة تفرق عن الاخري ولكن ينصح هذا الجانب يحسن بنا ان نقدم أمثلة لهذا الفارق.
في تجاربنا البشرية عندما نقول: ان هذا الرجل نظير الآخر، فهذا يعني انهما متكافئان في القابلية او الشكل او العلم ... الى آخره، ولكن اذا قلنا ان هذا الرجل يشبه الآخر، فهذا يعني انهما غير متكافئين بل يشتركان في مظهر او اكثر: كما لو تشابها في لباسهما أو ملامحهما الخارجية: كالوجه مثلاً والآن مع ملاحظة هذا الفارق: ماذا نسنخلص من عبارة (يا مَنْ لا شبيه له ولا نظير)؟
ان قارئ الدعاء لابد وان يتيقن بان الدعاء عندما يقررّ بان الله تعالي لا شبيه له ولا نظير، فهذا يعني: ان الله تعالي ليس له من يتساوي واياه في الذات، كما ليس له من يشبهه في ذلك، انه موجود متفرد يتفرد عن كل الموجودات بل هو مبدع الموجودات، والمبدع بالضروة لا يمكن ان يتماثل مع المخلوق، وهذا من الوضوح بمكان، والمهم ان الحصيلة الفكرية للعبارة المتقدمة تتداعي بالذهن الي عظمة الله تعالي، ومن ثم فان العبد يتعين عليه ان يتعامل مع الخالق باخلاص من حيث الممارسة العبادية، من حيث حاجاته التي يطمح الي تحقيقها، ومن ثم ينفض يده من المخلوق ويتجه الي الخالق.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا خالق الشمس والقمر المنير).
فماذا نستخلص من ذلك؟ ان الشمس والقمر ظاهرتان ابداعيتان، ولا تحسب ان احدنا بمقدوره ان يغض النظر عن الشمس مثلاً من حيث الموقع ومن حيث العطاء ومن حيث سائر الفاعليات التي تفرزها الشمس في كوكبنا.
والقمر كذلك من حيث الانارة، ومن حيث الحساب، ومن حيث الجمال ... الى آخره، والمهم هو: ان قارئ الدعاء يتعين عليه أن يستثمر امثلة هذه العبارت وان يوظفها في تصعيد وتحسين ممارسته العبادية، ذلك من حيث التعميق لمعرفة الله تعالي وعظمته، وكذلك من حيث العطاءات التي يغدقها تعالي علي عباده.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا مغني البائس الفقير) وهي عبارة لا تحتاج الي وضوح بقدر ما تحتاج الي معرفة الفارقية بين البائسوبين الفقير، وهذا ما نبدأ بتوضيحه، فنقول: البائس هو الفقير ولكنه اشد حالا، بخاصة فيما يظهر عليه من الملمح الخارجي في الملبس أو مسحات الوجه أو حركة البدن ... الى آخره، بينما الفقير ليس كذلك، حتي انه ورد في النص القرآني في الكريم ان الشخصيات الفقيرة المؤمنة نحسبهم اغنياء من التعفف، وفي ضوء هذه الفارقية نصل الي ادراك العظمة والرحمة من الله تعالي حيث يتفضل علي النمطين المذكورين بعطائه: تعبيراً عن الثقة به تعالي والتوكل عليه والركون الي ساحته.
*******