نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا من يدوم بقاؤه، يا من العظمة بهاؤه، يا من الكبرياء رداؤه،...).
ولنقف عند كل عبارة، حيث نبدأ ذلك بالعبارة الاولي وهي: (يا من يدوم بقاؤه). فماذا نستلهم منها؟
طبيعياً، نعلم بنحو عام ان الله تعالي موجود ازلي وابدي، لا بداية له ولا نهاية، بيد ان هذه الحقيقة تتطلب حينا ان نمعن النظر فيها وفيما يواكبها من الصفات المرتبطة بالله تعالي، ومنها عبارة (يا من يدوم بقاؤه) من حيث ارتباطها الواضح بأبدية الله تعالي، بيد ان العبارة تتداعي بذهن قارئ الدعاء الي ان (دوام بقاؤه) تعالي له تخيره عن انه تعالي لا نهاية لبقائه، اي في نفس الوقت الذي نجد ان العبارة مرتبطة بسابقتها نجدها متميزة عنها في الآن ذاته والمهم هو: استخلاص الدلالة متمثلة في دوام بقائه، وارتباط ذلك باستمرارية عطائه تعالي وعظمته.
من هنا نجد ان العبارة الجديدة معد سابقتها هي: (يا من العظمة بهاؤه، يا من القدرة رداؤه). تري ما هي الصلة بين هاتين العبارتين وبين عبارة (يا من يدوم بقاؤه) ثم صلة العبارتين لبعضها مع الآخر؟
نعتقد بأن دوام بقائه تعالي في عبارة سابقة، ان لها صلتها بما قلناه من دلائل عظمته ورحمته وفعلاً نجد ان العبارتين اللتين تتحدثان عن البهاء والعظمة والقدرة، تتداعي فعلاً بالاذهان الي معطيات بقائه تعالي واذا ادركنا ذلك نتجه الي نكتة جديدة هي: الارتباط بين العبارتين المتقدمتين اي: (يا من العظمة بهاؤه، يا من الكبرياء رداؤه)؟ وبكلمة بديلة، ما هي الفوارق بين العظمة والكبرياء، وبين البهاء والرداء؟
بالنسبة الي الكبرياء يظل الجذر لها عبارة الكبر مقابل الصغر في القدر او الموقع وتقترن عادة بالقدرة وبالسلطة ونحوهما، واما العظمة فهي: خطورة الشيء مقابل مضاده وهي: انعدام القيمة للشيء، وبذلك يظهر الفارق بين الكبرياء وبين العظمة مع اشتراكهما في الدلالة العامة، افتاقهما في الدلالة الخاصة، والمهم هو: ان تمييزنا بين هذه الصفة او تلك يظل مرتبطا بوجوه صفاته الخطيرة المتنوعة بحيث ينتهي قارئ الدعاء الي انه تعالي عظيم ورحيم من جميع الوجوه والجهات.
هنا لابد من الاشارة الي نكتة مهمة هي: ان صفة (العظمة) ربطها الدعاء بـ (البهاء) فقال: (يا من العظمة بهاؤه)، بينما ربط صفة (الكبرياء) بالرداء، فقال (يا من الكبرياء رداؤه)، فما هو السر؟
في تصورنا ان الكبرياء بما انها ترتبط لغوياً بما هو كبير مقابل الصغير، حينئذ فان صفة (الرداء) من حيث الاستعارة اكثر لصوقا بالموضوع، ولذا ورد في الاحاديث ان المتكبر من البشر ينازع الله تعالي في صفته لأن الكبرياء هي رداء الله تعالي.
واما بالنسبة الي العظمة فان صفة (البهاء) اكثر لصوقا بها من حيث الاستعارة، حيث ان البهاء اصلها من حسن وظرف، فيكون الحسن اكثر لصوقا بالعظمة، فالشيء العظيم هو ما يبهر المتجه له سواء أكان الموضوع مادياً (كالبناء الضخم) او معنوياً كالاخلاق الحسنة، او خاصاً بما هو ازلي وابدي وهو ما يختص به تعالي.
*******