نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا من آياته برهان للناظرين، يا من كتابه تَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ...).
في لقاءات سابقة اوضحنا من جانب تجانس الموضوعات التي ترد في كل مقطع، وتجانس كل مقطعين او اكثر من زاوية اخري، فضلاً عن تجانس الصيغ الاشباعية والصورية.
ويعنينا الآن ان نحدثك عن تجانس هاتين العبارتين اللتين استشهدنا بهما قبل قليل، وهما: (يا من آياته برهان للناظرين، يا من كتابه تَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ).
ان هاتين العبارتين تتجانسان - كما هو واضح - في تذكيرهما قارئ الدعاء من حيث آياته الكونية تعالي وكتابه الكريم، ثم من حيث علاقة ذلك بالناظر علي الآيات المشار اليها، ثم بالمتقين القارئين لكتاب الله تعالي. والسؤال الآن هو: ما هي الاسرار الكامنة وراء الاشارة الي البرهان الذي يستخلصه الناظر الي آيات الله تعالي، والي كتابه تعالي؟
ان السؤال الاول هو: ما هي العلاقة بين الناظر الي آيات الله تعالي وكتاب الله تعالي؟
ثمة علاقة واضحة بين آيات الله تعالي الكونية: كالسماء والارض والشمس، وهي دلائل علي ابداعه تعالي وعظمته، وبين القرآن الكريم من حيث انطواؤه علي آيات ايضاً، وهي: المبادئ المطروحة فيه فيما تفصح بدورها عن عظمته ورحمته.
ان القارئ للقرآن الكريم يتعظ بما هو مطروح فيه من الآيات المشيرة الي عظمته تعالي، والي المبادئ الموجود فيه وهي آيات بدورها ولكنها آيات مبادئ وافكار وسلوك، حيث يفيد منها القارئ للقرآن الكريم والسؤال الجديد هو: ما هي - ثانياً - العلاقة المستخلصة بين آياته تعالي بصفته برهاناً للناظر، وبين كتابه مع بصفته تَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ؟
ثم سؤال ثالث هو: العلاقة بين الناظر الي ظواهر الكون: الآيات، اي الشمس قبلاً أو السماء أو النبات، وبين التذكرة لمن اتقي الله من خلال قراءته وتدبّره للآيات القرآنية الكريمة اي: الآيات الكونية ويقابلها الآيات القرآنية؟
واضح كذلك، ان الناظر الي مظاهر الكون الابداعية سوف يتعمق يقينه بعظمته تعالي، لانها آيات تبهرالناظر الي السماء ونباتها وسعتها وطبقاتها، والامر كذلك حينما ينظر المتقي اي: المؤمن بآيات الكونية المشار اليها وبين ملاحظته لما ورد في القرآن من المبادئ.
ثم نجد ان العلاقة بين المتقي وبيد الناظر الي آيات الله تعالي هي: ان المتقي (وليس الشخص العادي) هو الذي يتأثر وينفعل بما يقرأ من القرآن، بحيث تنفعه الذكري، وهو ما اشارت العبارة اليه بقولها: (يا من كتابه: تَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ)، والأمر كذلك بالنسبة الي الناظر الي مظاهر الكون، حيث ان رؤية المظاهر من سماء وارض وشمس لا تحتاج الي تقوي بقدر ما تحتاج الي من ينظر الي الظاهرة الاعجازية فيؤمن بها يجب تشكل برهاناً لدي من ينظر اليها، فيتعمق ايمانه بالله تعالي، وهذا ما عبّرت الفقرة من المقطع عن بقولها: (يا من آياته برهان للناظرين).
اذن اتضح لنا جانب او اكثر من العلاقات المتجانسة بين العبارة المشيرة الي ان آيات الله تعالي هي برهان للناظر اليها، وبين العبارة المشيرة الي ان كتاب الله تعالي هو تَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ.
*******