البث المباشر

شرح فقرة: يا من هو قاض بلا حيف

الإثنين 2 سبتمبر 2019 - 11:35 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " يا من هو قاض بلا حيف " من دعاء الجوشن الكبير.

 

لا نزال نحدّثك عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الجديدة، حيث ورد فيه: (يا من هو قاض بلا حيف، يا من هو ربّ بلا وزير، يا من هو عزيز بلا ذلّ، ...) والآن فإنّ العبارات او المظاهر المتقدمة تظل امتداداً لما سبقها من الصياغة المتجانسة في اسلوبها، أي: ذكر الصفة او المظهر ثمّ نفي ما يضادّه، وهو أحد اساليب الصياغة الفنّية التي تتناول الظاهرة من خلال تأكيدها بهدف ترسيخ الدلالة والمهمّ الآن هو: ملاحظة هذه العبارات فيما نبدأ اوّلاً بالتعقيب على فقرة: (يا من هو قاض بلا حيف). فماذا نستلهم منها؟
القاضي او الحاكم وما يماثلهما تعني: إصدار الحكم حيال هذا الشيء او الشخصية، والمعروف في نطاق التجربة البشرية ان القضاء لم يكتسب طابعه الموضوعيّ: كما هو واضح، بمعنى: انه يتأثّر بما هو ذاتيّ او بما هو مخطىء او بما هو غير نزيه. فما دام السلوك البشري ينزع الى ابراز (الأنا) من جانب وإمكان صدور الحكم مقرناً بعدم العصمة من جانب آخر، حينئذ فإنّ الحيف او الظلم او الإجحاف بحقّ الشخصية أو الشىء يظلّ من الظواهر المعروفة في عالم القضاء. من هنا، فإنّ الظاهرة حينما ننقلها الى السماء، حينئذ فإنّ الله تعالى هو المكسب كمالاً لها، على العكس من البشر، لذلك فإنّ فقرة الدعاء القائلة: (يا من هو قاض بلا حيف)تعني: ان الاحكام الصادرة من الله تعالى هي احكام موضوعية لا ظلم فيها بل هي العدالة بذاتها ولذلك أيضاً وردت النصوص الشرعية المتنوعة بالإشارة الى انه تعالى (عادل) في احكامه الصادرة والنكتة هنا تفرض علينا ان نعقـّب على ظاهرة (العدالة) والتعامل الإلهي مع عباده. فماذا نستلهم؟
لعلّ القارىء لهذا الدعاء وسواه، يواجه فقرة بهذا المعنى وهو: (اللّهمّ عاملني برحمتك لا بعدلك) هو دعاء أو توسّل له دلالته الكبيرة، حيث تعني اوّلاً ان الله تعالى (عادل)، وتعني وهذا هو موضوع النكتة، أنّ الرحمة هي التي نتطلّع اليها وليس العدل الإلهي. لماذا؟
الجواب: ان الانسان بعامّة مقصّر مذنب ومخطىء، ولذلك يستحقّ العقاب بقدر تقصيره وذنبه، فإذا اراد الله تعالى ان يحاسبنا وفق العدالة فهذا يعني انّنا نعاقب سلبياً وهو ما يحملنا الى ان نتوسّل بالله تعالى بألا يحاسبنا بالعدل بل بالرحمة، لأنّ الرحمة هي اوسع من العدالة بالنسبة الى مانطمح اليه من الإشباع لحاجاتنا الاخروية والدنيوية.
اذن عبارة (يا من هو قاض بلا حيف)، لا تعني ان الله تعالى هو عادل فحسب، بل تجعل اذهاننا متداعية الى (رحمته تعالى) وليس إلى (عدله)، لأنّ الرحمة تعني انه تعالى يتعامل مع عباده: بالشفقة والحنان والرأفة والإحسان والتجاوز والسماح والصفح والعفو.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا من هو ربّ بلا وزير). فماذا نستلهم منها؟
الجواب: الوزير هو المؤازر او المعين او الناصر، في نطاق التجربة البشرية انّ السيد أو الملك أو الرئيس للدولة أو إدارة ملكه، وقد طلب - على سبيل المثال- موسى (عليه السَّلام) من الله تعالى ان يجعل له وزيراً (وهو هارون) في مواجهته لفرعون، ممّا يعني: احتياج البشر إلى من يؤازر بعضهم البعض الآخر: كما هو واضح. بيد ان الدعاء وهو يستهدف عرض صفات الله تعالى وتعميق دلالاتها في اذهاننا يلفت نظرنا الى عظمة الله تعالى وتفرّده في الصفات جميعاً، ومنها: إدارته تعالى للكون حيث إنّ قدرته المطلقة، وعلمه المطلق، وإرادته المطلقة بلا حدود، وكماله المطلق بلا حدود لا يحتاج بطبيعة الحال الى أية مؤازرة، لأنه مستغن بنفسه: كما هو واضح.
اذن امكننا ان نتبيّن دلالة ماتعنية عبارة: (يا من هو ربّ بلا وزير) مع ملاحظة ان الدعاء هنا قد استخدم عبارة (رب) وليس عبارة (ملك) للتدليل على ظاهرة التربية الإلهية لمخلوقاته، بصفة ان (الربّ) بمعنى (المربّي) ممّا يفصح عن احد مظاهر عظمته المتمثـّلة في مبادئه التي رسمها للبشر، وضرورة التزامنا بالعمل وفقها: كما هو بيّن.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة