نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الجديدة، حيث بدأ بهذا النحو: (يا رَبِّ الْعَالَمِينَ، يا مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، يا غاية الطالبين، ...).
ونبدأ بالحديث عن العبارة الاولي من المقطع وهي: (يا رَبِّ الْعَالَمِينَ). فماذا نستلهم منها؟
لا اعتقد ان احداً منا يجهل دلالة مصطلح (رَبِّ الْعَالَمِينَ) بمعني رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وما بينهما، وهذا ما يتسبب علي المخلوقات جميعاً من انس وجن، بمافي ذلك المخلوقات جميعاً من انس وجن، بمافي ذلك المخلوقات المادية أو الكون وما ينتظمه من الموجودات. واما عبارة (يا مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) فنحتاج الي توضيح سريع. فماذا نستخلص منها؟
سبقتها من عبارتي رَبِّ الْعَالَمِينَ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ؟
ان عبارة (يا غاية الطالبين) تعني: ان الله تعالي هو المحقق لإشباع حاجات الطالبين، فاذا كان الطالبون يقرون بالحمد وبالثناء والشكر لله تعالي، من خلال عبارة (يا رَبِّ الْعَالَمِينَ)، ومن ثم ينتظرون من المالك ليوم الدين أن يتفضّل عليهم بإحسانه وبرحمته وبغفرانه، حينئذ فان املهم بالله تعالي هو الغاية لهؤلاء الطالبين لمغفرته ورحمته تعالي.
وهذا الاستخلاص يتناسب وما نلحظه ايضاً من العبارات اللاحقة، وهي: (يا ظهر اللاجين، يا مدرك الهاربين). كيف ذلك؟
نحن الآن اولاً امام عبارة بلاغية هي (يا ظهر اللاجين)، حيث تعني ان الله تعالي يسند ويدعم ويساعد من يلجأ إليه في المهمات، وهذه الاستعارة تعني: ان ما سبقها من معني (يا غاية الطالبين)، ان الطالبين انما يلجأون الي الله تعالي.
تشير النصوص المفسرة عن المعصوم (عليه السلام) وآخرين بان «يَوْمِ الدِّينِ» هو يوم الجزاء او يوم الحساب، اي: اليوم الآخر، ويبقي السؤال عن النكتة الكامنة وراء مصطلح «الدِّينِ» لليوم الآخر، فما هي؟
في تصورنا بما ان «الدِّينِ» هو مجموعة المبادئ التي رسمها الله تعالي، وطلب منا ان نعمل بها، حينئذ فان التجربة الخلافية في الارض تفضي الي نجاح الشخصية أو فشلها في الالتزام بمبادئ الله تعالي، لذلك فان النجاح او الفشل هو ما يترتب علي المحاسبة في اليوم الآخر من حيث المصائر التي ينتهي البشر وسواه اليها، وبهذا يكون «يَوْمِ الدِّينِ» هو: اليوم الذي تتحدد فيه المصائر المترتبة لكي كلما التعامل مع «الدِّينِ». بعد ذلك نواجه عبارة (يا غاية الطالبين)، فماذا نستخلص منها؟
قبل الاجابة عن السؤال المتقدم نتساءل أولاً عن صلة هذه العبارة (يا غاية الطالبين) لاشباع حاجاتهم، مما يعني من جديد ان الله تعالي سوف يساعد هؤلاء اللاجئين ويكون سنداً لهم في حمايتهم من الشدائد.
ايضاً، لا نفعل عن العبارة الاخري وهي: (يا مدرك الهاربين) من حيث علاقتها بما سبقها من التوسّل. كيف ذلك؟
ان العبارة القائلة: (يا ظهر اللاجين)، تتداعي بذهن قارئ الدعاء الي ان هذا اللاجئ انما يقوم برحلة الي ساحة الله تعالي، اي: انه يهرب من الشدائد التي تقلقه، وحينئذ يتجه الي الله تعالي، ويتوقع ان يدركه الله تعالي برحمته، وهذا ما عبرت المقولة المشار اليها عن اي عبارة (يا مدرك الهاربين) اي: ان الله تعالي سيكون في عون الهارب اليه.
*******