لانزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن مقاطعه الجديدة حيث يبدأ علي هذا النحو: (اللهم اني أسالك باسمك يا سميع، يا شفيع، يا رفيع، يا منيع، يا سريع، يا بديع، ...).
هذا المقطع من الدعاء يظل - كسائر مقاطعه - حافلاً بالاسماء الحسني وسائر مظاهر عظمة الله تعالي، واولها مظهر او عبارة (يا سميع). فماذا نستخلص من الكلمة؟
من الطبيعي، ان (السميع) هو: صيغة المبالغة بالنسبة الي صاحب الصفة، وهي من السمات المعروفة بدلالتها وشيوعها في النصوص الشرعية، ان الله تعالي هو السميع والبصير، يسمع جميع ما يدور علي الالسنة من المخلوقات وما تخفيه الصدور ايضاً، اي: انه يسمع كل مايدور من الحوارات الصامتة والناطقة، حيث نعرف جميعاً ان الافكار بدورها هي - كما يؤكد ذلك المعنيون باللغة وفنونها - تعتبر كلاماً، ولكنه كلام صامت، وهذا يعني انه تعالي يسمع النجوي كما يسمع السر.
ويقول المعنيون باسماء الله الحسني بان (السميع) تنسحب دلالته الواسعة علي جملة ظواهر مثل العليم بالمسموعات من اصوات وحروف، والسميع للدعاء، بل وينسحب علي دلالة القبول، اي: الاجابة وبين ايضاً، ان هذه الصفة حينما يتأملها قارئ الدعاء، حينئذ لا تتعمق قناعته بعظمة الله تعالي من حيث قدراته غير المحدودة في الاحاطة بما يصدر من المخلوقات فحسب، بل برحمته تعالي في سماعه لمناجاتنا وادعيتنا وطموحاتنا وآمالنا، حيث يستجيب لها ويحققها بفضل منه ورحمته. بعد ذلك نواجه عبارة (يا شفيع) ، فماذا تعني؟
الجواب: الشفيع من حيث دلالته اللغوية قد يرتبط بالشفع اي: الزرح قبالة الفرد، وقد يعني: من يتوسط الي الله تعالي في رعايته وغفرانه ورحمته للمؤمنين، وهذا كشفاعة الاربعة عشر معصوماً (عليهم السلام) مثلا أو الانبياء أو الصالحين ولكن عندما ترتبط هذه السمة بالله تعالي فان الدلالة حينئذ ستختلف بطبيعة الحال ولكن مع ذلك فان السياقات التي يرد فيها مصطلح (الشفاعة) تشير الي انه تعالي (اشفع الشافعين) بمعني انه يتدخل في رعاية عبده، وشموله برحمته، وغفرانه للذنب بل حمل عباده المظلومين علي التنازل عن حقوقهم حيال الآخر: رحمة منه بكليهما، اي: العفو والتنازل عن حق احدهم حيال الآخر مقابل ما يتفضل به تعالي من العفو حيال عبده المتنازل عن الآخر.
المهم ان الشفاعة تظل بالنسبة الي الله تعالي ومقايستها بالنسبة الي الشافعين من عباده، تظل صريح العبارة القائلة بأنه تعالي (اشفع الشافعين). بعد ذلك نواجه عبارة (يا رفيع)، فماذا نستلهم منها؟
الجواب: من الواضح، ان (الرفيع) هو من (الرفعة) اي العلو، والله تعالي هو الاعلي والارفع في الحالات جميعاً، انه الرفيع في صفاته، اي: العالي في الصفات، فضلاً عما ورد في القرآن الكريم من الاشارة الي انه تعالي (رفيع الدرجات) بمعني انه ذو الصفات العالية من جانب، وانه (الرافع) لدرجات الانبياء والصالحين في منازلهم الاخروية، أوانه رافع السماوات والارض، حيث وردت النصوص المفسرة لعبارة (الرفيع) بالدلالات التي تمت الاشارة اليها.
ختاماً نسأله تعالي ان يرفع درجاتنا جميعاً، وان يستجيب لدعائنا، انه (السميع)، وان يرحمنا بشفاعته التي هي (اشفع) من الشفاعات، وان يوفقنا الي ممارسه الطاعة، والتصاعد بها الي النحو المطلوب، انه سميع جيب.
*******