نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الان عن أحد مقاطعه الجديدة وهو: (يا من يحق الحق بكلماته، يا من يقبل التوبة عن عباده، يا من يحول بين المرء وقلبه، يا من لاتنفع الشفاعة الابأذنه).
والان نبدأ مع العبارة الاولي من مقطع الدعاء، وهي: (يا من يحق الحق بكلماته). فماذا نستلهم منها؟
عبارة (يا من يحق الحق) تظل من الوضوح بمكان من حيث دلالتها اللغوية، بمعني ان الله تعالي (حق) وانه يحقق (الحق) في شتي دلالاته التي تعني ماهو خير محض. بيد ان السؤال المهم هو: ماذا تعني عبارة (بكلماته)؟ اي ماذا يعني ان الله تعالي يحق الحق بكلماته. هل ان (الكلمات) مصطلح خاص بظاهرة دون اخري؟
هل ان (الكلمات) هي رمز او جملة رموز تحتشد في هذه العبارة او الاصطلاح؟
ان القرآن الكريم قد استخدم عبارة او مصطلح (الكلمات) ليس لدلالة أو ظاهرة خاصة دون سواها بل استخدمها في سياقات متنوعة، منها مثلا قوله تعالي عن آدم (عليه السلام) «فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ» ومنها قوله تعالي عن ابراهيم (عليه السلام)«وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ».
ومنها قوله تعالي «لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ».
وهذا في ميدان صيغة (الجمع) اما في ميدان الصيغة المفردة «كَلِمَةُ»، فقد وردت بدورها في جملة مواقع منها قوله تعالي «إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ» ومنها قوله تعالي «كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا» الآن مع ملاحظتنا لهذه السياقات المتنوعة لعبارة «كَلِمَاتٍ» او«كَلِمَةُ» ماذا نستخلص منها؟
الجواب: لاشك لكل استخدام سياقه الخاص، فبعبارتي «كَلِمَاتٍ» الواردة في سياق الحديث عن آدم وابراهيم (عليهما السلام) تختلف بطبيعة الحال عن عبارة «كَلِمَاتٍ» الواردة في سورة الكهف التي تقول «لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ»ولسنا في صدد التعريف بهذه السياقات المتنوعة بقدر ما نستهدف الاشارة الي ان «كَلِمَاتٍ» الواردة في سياق المقطع القائل: (يا من يحق الحق بكلماته) تظل رمزاً مرشحاً بجملة دلالات لا دلالة واحدة بمعني ان كل متلق يستطيع ان يستخلص ما يتناسب وخلفيته او مرجعيته الثقافية.
ولكن ماذا نستخلص نحن الآن من العبارة المذكورة في حدود استجابتنا الاحتمالية؟ نقول الاستجابة الاحتمالية لاننا لانملك يقينا لدلالة العبارة المتقدمة بقدر ما نحتمل ما يأتي.
في تصورنا ان عبارة «كَلِمَاتٍ» الله تعالي ترشح بجملة دلالات منها: الاشارة الي عظمة الله مطلقاً ومنها الاشارة الي نعمه التي لا تحصي ومنها الاشارة الي ارادته تعالي والي قدرته تعالي والي علمه تعالي والي مطلق (الحق) او الخير الذي يفيض الله تعالي به علي الكائنات من هنا، فان عبارة (يحق الحق) تحتمل هذه الدلالات بأكملها لان تحقيق الحق ينسحب علي ما هو خير محض - كما قلنا - والخير له مصاديق متنوعة لا تنحصر في دلالة خاصة، وهو مالمحنا الي بعض مصاديقه المفصحة بعامة عن (عظمة) تعالي ورحمته.
*******