قلنا ان الحديث النبوي قد يتوفر على صياغة الاشكال الصورية جميعاً، ففي صعيد:
الصورة التشبيهية
نجد انه (صلى الله عليه وآله) قد استخدم الصور التشبيهية في مستويات متنوعة: من حيث الاجمال والتفصيل والافراد والتركيب، الخ، واليك طائفة من الصور التشبيهية في مستوياتها المتنوعة:
۱- الدال على الخير كفاعله. لا حسب كحسن الخلق. ليكن الرجل منكم كزاد الراكب.
۲- الغل والحسد يأكلان الحسنات كما تأكل النار الحطب. (۱۷)
۳- اعبد الله كأنك تراه (۱۸). اتقوا دعوة المظلوم فانها تصعد الى السماء كانها شرارة. (۱۹)
٤- لو كان لي مثل احد ذهباً لسرني الا تمر علي ثلاث وعندي منه شيء. (۲۰)
٥- الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر. (۲۱)
٦- ما شبهت خروج المؤمن من الدنيا الا مثل خروج الصبي من بطن امه من ذلك الغم. (۲۲)
۷- استحي من الله استحياءك من رجلين من صالحي عشيرتك. (۲۳)
۸- الله أفرح بتوبة التائب من الظمآن الوارد، ومن العقيم الوالد، ومن الضال الواجد. (۲٤)
۹- لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم. (۲٥)
۱۰- مثل المؤمن كمثل النحلة لا تأكل الا طيباً ولا تضع الا طيباً. (۲٦)
۱۱- مثل اهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تـخلف عنـها غـرق. (۲۷)
۱۲- مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وانتم تفلتون من يدي. (۲۸)
هذه الأنماط من التشبيهات تجسد مستويات متنوعة، حيث استخدم التشبيه من خلال أدواته الثلاث (الكاف، كأن، مثل) واستخدم من خلال العبارات التي تقوم مقام الأداة (بمنزلة، شبهت، استحياءك) واستخدم من خلال التفاوت (أفرح) (أهون)، واستخدم من خلال ما هو مجمل (كفاعله) وما هو مفصل كالتشبيهات الواردة عن الذهب والصبي والسفينة، واستخدم من خلال (المثل) أو (القصة) كالنماذج الثلاثة الأخيرة.
*******
الصورة التمثيلية
هذا النمط من التركيب الصوري يستخدم بغزارة في أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) حتى ليكاد يماثل أو يتجاوز عنصر (التشبيه).
ولعل السر في ذلك هو: أن (التمثيل) بمثابة (تعريف) للشيء، و«التعريف» أوسع مجالاً من غيره في توضيح الدلالة وتحديدها وان كانت اشكاله محدودة لا تصل الى التنوع الذي نلحظه في التشبيه، واليك طائفة من «التمثيلات» ومستوياتها المتنوعة التي وردت في تصانيف كلامه (صلى الله عليه وآله):
۱- (الصلاة: ميزان، فمن أوفى استوفى)، (النساء: حبالة الشيطان). (۲۹)
۲- (لسان القاضي: بين طريقين، اما الى الجنة واما الى نار). (۳۰)
۳- (ان أفواهكم: طرق للقرآن، فطيبوها بالسواك). (۳۱)
۳- (المسلمون: اخوة). (الندم: التوبة). (۳۲)
٤- (جمال المرء: فصاحة لسانه). (تحفة المؤمن: الموت). (۳۳)
٥- (جعلت الذنوب كلها في بيت، وجعل مفتاحها في شرب الخمر). (۳٤)
ان هذه النماذج (التمثيلية)، تفصح عن مستويات متنوعة من الصورة، فهناك: الصورة المفردة والمجملة (المسلمون اخوة) والصورة المضافة (النساء حبالة الشيطان) والصورة المفردة المفصلة (الصلاة: ميزان، فمن أوفى استوفى) والصورة المركبة (جعلت الذنوب).
وهناك (التمثيل) القائم على تعريف الشيء (المسلمون اخوة) حيث عرف المؤمنين بأنهم اخوة، والتمثيل القائم على تحديد بعض خطوطه (ان افواهكم طرق للقرآن)، والتمثيل القائم على تجسيده (جعلت الذنوب كلها في بيت... )، وهناك (التمثيل) المضاد مثل (جمال المرء: فصاحة لسانه) مقابل التمثيل الاعتيادي، حيث عرف الجمال بكونه (فصاحة) مع ان المقصود هو كون الفصاحة: جمالاً، الا أنه (صلى الله عليه وآله) صاغ التمثيل بنحوه المضاد: تحسيساً بأهمية الفصاحة.
وكذلك قوله (تحفة المؤمن: الموت) حيث عرف التحفة بأنها هي الموت مع ان المقصود هو ان الموت هو تحفة المومن: تحقيقاً لنفس الهدف ألا وهو التركيز ولفت الانتباه لما هو (تحفة) يتطلع اليها الانسان، بعكس الموت الذي قد يتلكاً الانسان في تقبله.
*******
الصورة الاستعارية
الملاحظ انه (صلى الله عليه وآله) يقل من (الصور الاستعارية) بالقياس الى (التشبيه) و(التمثيل) والا فان استخدامه لهذا العنصر يظل ملحوظاً: مادامت الاستعارة تسعف القارىء في فهمه لدلالة النص وتعميقه: من خلال مجانستها لتجارب الحياة المتنوعة وتناول التأثيرات فيما بينها، ويمكننا رصد مستويات الاستعارة في الكلام المأثور عنه في نماذج متنوعة، منها:
۱- من عد غداً من أجله فقد اساء صحبة الموت. (۳٥)
۲- من ألقى جلباب الحياء... اذا أراد الله بقوم نماء رزقهم السماحة والعفاف، واذا أراد بقوم انقطاعاً: فتح عليهم باب الخيانة. (۳٦)
۳- ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين. (۳۷)
٤- يأتي على الناس زمان لا يبالي الرجل ما تلف من دينه اذا سلمت له دنياه. (۳۸)
٥- اذا اراد الله ان يوقع عبداً اعمى عليه الحيل. (۳۹)
٦- تعلموا العلم، فان تعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح... وسالك بطالبه سبل الجنة. (٤۰)
۷- اذا أراد الله بعبده خيراً فتح له قفل قلبه، وجعل فيه اليقين والصدق. (٤۱)
هذه النماذج الاستعارية، تضمنت مستويات متنوعة عن التركيب:
۱- فقد أعارت ما هو غير بشري، صفة بشرية (أساء صحبة الموت)، أعارت ما هو معنوي بشري صفة حسية بشرية (أعمى عليه الحيل)، أعارت ما هو غير حسي: صفة حسية (تلف الدين، وسلامة الدنيا)...
۲- صاغت الاعارة بنمطيها: النمط الذي يخلع صفة جزئية على الشيء مثل: جلباب الحياء، باب الخيانة، قفل القلب، سبل الجنة الخ.
والنمط الذي يخلع صفة كلية على الشيء مثل: تلف الدين سلامة الدنيا، رزق السماحة الخ...
۳- داخلت بين الاستعارة وغيرها من الصور مثل (التمثيل) (تعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح) ثم: فرعت على ذلك استعارة هي (وسالك بطالبه سبل الجنة).
٤- فرعت على الاستعارة: صوراً متنوعة ملازمة لها مثل (فتح له قفل قلبه) وهذه هي الاستعارة، وقد فرع عليها ما هو ملازم لفتح القلب (وجعل فيه - أي القلب- اليقين والصدق...).
*******
الصورة الاستدلالية والرمزية
في حديثنا عن الصور القرآنية الكريمة، أوضحنا أن الفارق بين الصور الرمزية والاستدلالية، أن الاولى يحذف فيها أحد طرفي الصورة ويرمز لها بالطرف الآخر. وأن الثانية يذكر فيها الطرف الأول ويستدل على الآخر: بالرمز بدلاً من الحذف.
وقد استخدم النبي (صلى الله عليه وآله) في احاديثه كلاً من الصورتين، الا أنه اكثر من الصورة الاستدلالية وقلل الصورة الرمزية: لسبب واضح هو أن الرمز يقترن بشيء من التأمل الذهني لاستخلاص دلالته، بينا تتكفل الصورة الاستدلالية بتوضيح ذلك من خلال تقديمها ظاهرة حسية للتدليل على الشيء.
واليك طائفة من الصور الاستدلالية والرمزية التي وردت في تضاعيف كلامه (صلى الله عليه وآله):
۱- أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه خمس مرات هل يبقي من درنه شيء؟ (٤۲)
۲- كما لا يجتنى من الشوك العنب، كذلك لا ينزل الفجار منازل الأخيار. (٤۳)
۳- من يدم يقرع الباب يوشك أن يفتح له. (٤٤)
٤- احثوا التراب في وجه المداحين. (٤٥)
فالنموذجان (۱،۲) يجسدان الصورة الاستدلالية في أمثلتها الحية التي تبلور وتجلي وتعمق الهدف المقصود، ففي الصورة التي تتحدث عن الاغتسال بالنهر خمس مرات يومياً: يتعمق مفهوم الصلاة ومعطياتها التي تتمثل في غسل ذنوب الانسان وتطهير أعماقه من أوساخ السلوك...
وفي الصورة التي تتحدث عن القتاد (وهو الشجر الصلب الذي يحمل شوكاً حاداً) يتعمق مفهوم (التعاون مع الظالمين)، فالذي يتعاون مع الظالم يتخيل انه يمكنه من أن يفيد الآخرين، انما يقوم تخيله على أساس مخطىء حيث لا يمكن ان يتعاون الشر والخير،... وحينئذ يكون الاستدلال بأن القتاد لا يمكن ان ينتج ثمراً بقدر ما ينتج شوكاً، صورة (بديلة) تعمق وتوضح مفهوم التعاون مع الظالمين فيما لا ينتج الا شراً...
أما النموذجان رقم (۳،٤) فيجسدان (رمزين) أولهما هو: قرع الباب وما يترتب على مداومة القرع من فتحه، حيث يرمز (القرع) الى العمل والمداومة عليه، ويرمز (الفتح) الى نتائج العمل،.. ويكون هدف الصورة الرمزية هو: أن عمل الخير يفضي الى المعطيات التي يتطلع اليها الانسان.
واما الرمز الآخر (احثوا التراب في وجه المداحين) فإن (التراب) يرمز الى ضرورة اسكات الشخص المادح وعدم السماح له بممارسة هذا السلوك، نظراً لكونه: نابعاً اما عن سلوك مخادع يستهدف صاحبه كسب التقدير المادي والمعنوي، أو لاستتباعه جعل الممدوح يعجب بذاته مما فيه هلاك الانسان دون ادنى شك.
*******
(۱۷) نهج الفصاحة: ص ٤۳۲.
(۱۸) نفس المصدر: ص ٦٥.
(۱۹) نفس المصدر: ص ۸.
(۲۰) نفس المصدر: ص ٤۹٦.
(۲۱) نفس المصدر: ص ٤۰٦.
(۲۲) نفس المصدر: ص ٥٤٦.
(۲۳) نفس المصدر: ص ٥۳.
(۲٤) نفس المصدر: ص ٤٦٦.
(۲٥) نفس المصدر: ص ٤۷۲.
(۲٦) نفس المصدر: ص ٥٦۱.
(۲۷) نفس المصدر: ص ٥٦۰.
(۲۸) نفس المصدر: ص ٥٦٥.
(۲۹) نفس المصدر: ص ٦۳٥.
(۳۰) نفس المصدر: ص ٤۷۲.
(۳۱) نفس المصدر: ص ۱۲۰.
(۳۲) نفس المصدر: ص ٦۲٦.
(۳۳) نفس المصدر: ص ۲۳٦.
(۳٤) نفس المصدر: ص ۲۷٦.
(۳٥)تحف العقول: ص ٤۹.
(۳٦) نهج الفصاحة: ص ۲۸.
(۳۷) نفس المصدر: ص ٥۱.
(۳۸) تحف العقول: ص ٥۲.
(۳۹) نهج الفصاحة: ص ۳۲.
(٤۰) تحف العقول: ص ۲۸.
(٤۱) نهج الفصاحة ص ۲۷.
(٤۲) نفس المصدر: ص ٦۹٥.
(٤۳) نفس المصدر: ص ٤٦۲.
(٤٤) نفس المصدر: ص ٦۲۲.
(٤٥) نفس المصدر: ص ۱٦.
*******