لا نزال نحدثك عن الأدعية المباركة'>الأدعية المباركة ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن أحد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا من عصمني وكفاني، يا من حفظني وكلاني، ...). هذه الفقرات من الدعاء، تتطلب شيئاً من الاضاءة لدلالتها، وهذا ما نبدأ به الآن ونقف اولاً عند فقرة: (يا من عصمني وكفاني ). فماذا نستلهم منها؟
العصمة هي: المناعة أو اللجوء الي المكان المنيع، وعندما يقر النص بان الله تعالي هو: يعصم قاريء الدعاء: فهذا يعني أنه تعالي يمنع من وصول الشر اليه: كما هو واضح وأما العبارة التالية لسابقتها وهي: وكفاني فتعني: أن الله تعالي يكفي عبده من كل شيء، بمعني يحقق له إشباعاته المختلفة بحيث لا يحتاج العبد أو قاريء الدعاء الي شيء آخر مادام الله تعالي هو الذي يكفيه من كل شيء، ولا يكفي منه شيء من سواه.
بعد ذلك نتجه الي عبارة (يا من حفطني وكلاني). فماذا تعني؟
الجواب: أن الحفظ والكلأ عبارتان متجانستان، حيث تعنيان الحراسة من كل سوء، بيد أن كلا منهما يفرق عن الآخر بدلالة خاصة.
والسؤال الآن: ما هو الفارق اذن؟ المصادر اللغوية تقول: بأن الحفظ هو: جعل الشيء في مكان امن لا يصل اليه السوء، واما الكلأ فهو كذلك ولكن مع أضافة دلالة له هي: ستره ورعايته وحراسته فتكون الكلمة أعم من (الحفظ): كما هو واضح، أن ما نعتزم الأشارة اليه هو: أن النصوص الشرعية: القرآن الكريم وأحاديث المعصومين (عليهم السلام) تتميز بكونها معصومة من كل خطأ بلاغي وفني ولذلك عندما ترد عبارتان متجانستان فهذا يعني أن كلاهما يفترق عن الآخر بدلالة دقيقة جداً، والسؤال من جديد: ما هو السر الكامن وراء ذلك؟
الجواب: أن الشرع الاسلامي يحرص علي تحقيق الأشباع التام لحاجات الشخصية. من هنا، فأن الدعاء الذي يرد فيه: (يا من حفظني وكلاني) أنما يستهدف تحقيق جميع وسائل الأشباع للعبد، أن الله تعالي عندما يقرر بأنه تعالي (يحفظ) عبده، فأنما يعني: أنه يجعله في حالة لا يصل اليه السوء، ولكن عندما يقر بأنه (يكلأ) عبده، فهذا يعني تفصيلاً لعملية (الحفظ)، وهي: أن يستره، وأن يحرسه، وأن يرعاه، أي ليس هو حفظ العبد عن السوء فحسب بل يزيد علي ذلك بأن يحرسه، بمعني أن يحرص علي عدم وصول أي ضرر عليه حتي لو كان بسيطاً، ليس هذا فحسب، بل أنه (يرعاه) أي: يوصل اليه ما يحتاجه من الأشباعات من مختلف مستوياتها أي في ميدان الصحة والرزق والأمن.
اذن ثمة فارق بين كلمة (حفظني) وبين كلمة (كلاني) بالنحو الذي أوضحناه. ختاماً نسأله تعالي أن يحفظنا ويكلأنا من كل سوء في الدنيا والأخرة.
*******