نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا بديع السماء، يا حسن البلاء، يا جميل الثناء).
هذه المظاهر او الصفات او السمات التي تتحدث عن عظمة الله تعالي ورحمته، متفاوتة في ارتباط بعضها مع الأخر، المهم ان نحدثك عن كل منها، ونبدأ ذلك بعبارة (يا بديع السماء)، فماذا نستلهم منها؟
من البيّن، ان الله تعالي مبدع الوجود جميعاً، ولكن حينما يذكر الدعاء واحداً من مظاهر الوجود انما يعني لفت النظر الي ذلك، ولكن بالنسبة الي مظهر (السماء) نجد ان غالبية النصوص القرآنية الكريمة والاحاديث الشريفة لا تكاد تفصل الحديث عن(السماء) او السماوات عن (الارض)، ولذلك نتساءل الآن: ماذا يمكننا بأن نستخلص من هذه الظاهرة التي تتحدث عن (السماء)وحدها دون ان تقرنها بالحديث عن (الارض).
في تصورنا ان (السماء) تختلف عن الارض في جملة مظاهر، منها: ان السماء لا سبيل الي معرفة مواقعها بالقياس الي معرفةالارض، انها طبقة علياً فحسب لا سبيل الي مشاهدة ما وراء ذلك، هذا من جانب آخر، تظل (السماء) رمزاً تعبيرياً يرمز الي جملة عطاءات ومظاهر، مثل قوله تعالي «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ»، فالحديث عن الرزق وسواه يظل مرتبطاً بالسماء وما تنظمه من مصادر العطاء المتنوعة وحيناً آخر يظل التعبير عن (السماء)، متجسداً في الفضاء، كالحديث عن المطر ونحوه، بالاضافة الي الاشارات المتنوعة الي طبقات السماء، وبيوتها.
اذن الحديث عن (السماء) يظل مقترناً بمظاهر متنوعة لها اهميتها التي اشرنا الي جانب منها، وهو ما يفسّر لنا استقلالية الاشارة اليها دون الارض مثلاً.
بعد ذلك تواجهنا عبارة (يا حسن البلاء)، وهي مظهر يدعونا الي ان نتساءل ايضاً عن النكتة الكامنة وراء العرض لهذا المظهر وصلته بالمظهر السابق، اي: السماء. فماذا نستلهم؟
اولاً: ينبغي ان نتبيّن دلالة (البلاء)، حيث يحتمل جملة وجوه، منها: الابتلاء، ومنها: الشدة، ومنها: المهارة، ولكن قارئ الدعاء يظل متسائلاً عن السياق الذي ورد فيه هذا المظهر، فماذا يستلهم من جديد؟
في تصورنا ان البلاء هو: الاختبار الإلهي، قال تعالي: «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً»، وهو الاختبار المتسم بما هو جميل من الصنع، اي: ان الله تعالي يختبر عباده بما هو حسن، وهذا يتسق بدوره مع السمة التي حدثناك عنها وهي عبارة (يا بديع السماء) حيث قلنا ان احد الاستخدامات اللفظية لعبارة (السماء) يعني: ما تفرزه من العطاءات: كالرزق وسواه بالنحو الذي تقدم الحديث عنه.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا جميل الثناء) وهي عبارة تتجانس مع سابقتها بنحو واضح، فهناك ورد مصطلح (حسن) وهنا ورد مصطلح (جميل)، وكلاهما متجانس في دلالته المشتركة من حيث الحسن والجمال، بيد ان السؤال هو: ما هي الدلالة التي نستخلصها من عبارة (الثناء)؟
الثناء هو: المدح، واظهار اللطف، لذلك فان قارئ الدعاء يستخلص من عبارة (يا جميل الثناء) دلالة: اللطف وجماليته، حيث ان اللطف مادق من الشيء او مارق، كما ان الجميل هو ما حسن من الشيء، ومن ثم: تكون الدلالة علي النحو الآتي: ان الله تعالي لطيف بعباده أو انه تعالي جميل في اظهار لطفه حيال عباده.
اذن ثمة تجانس بين العبارتين (يا حسن البلاء) و (يا جميل الثناء)، فضلاً عن تجانسهما مع العبارات السابقة علي ذلك.
*******