لا نزال نحدثكم عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناكم عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثكم الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا شافي من استشفاه، يا قاضي من استقضاه، يا مغني من استغناه،...).
هذه العبارات مع وضوحها تتطلب مزيدا من القاء الاضاءة علي دلالاتها، ونقف اولاً عند عبارة (يا شافي من استشفاه). العبارة من الوضوح بمكان، ولكن النكتة هي: ان طلب الشفاء من الله تعالي يظل اعّم من الشفاء البدني والشفاء الروحي، هذا من جانب. من جانب آخر، جاءت هذه العبارة بعد عبارة حدثناكم عنها (في لقاء سابق) هي: (يا راعي من استرعاه)، فهنا نجد ان الرعاية التي التمسها قارئ الدعاء، قد تجسد احد مصاديقها في عبارة (يا شافي من استشفاه) حيث ان الصحة البدنية والروحية هي: في مقدمة ما تحتاج الي الرعاية، بصفة ان الصحة البدنية هي المساعدة علي ممارسة العبد وظيفته العبادية التي خلق الله تعالي الانسان من اجل ممارستها، حيث لا يمكن ممارسة العمل التام ما لم يقترن بالقدرة البدنية: كما هو واضح. 
واما الصحة الروحية فلا بدّ ان تتوفر في الشخصية حتي تتحقق الممارسة العبادية في افضل صورها: كما هو واضح ايضاً. 
بعد ذلك نواجه عبارة (يا قاضي من استقضاه). فماذا نستخلص منها؟
الجواب: مع ان (القضاء) يحتمل جملة دلالات، الا ان السياق الذي يرد فيه هذا المصطلح يعني: قضاء او انجاز الحاجات، اي: ان قارئ الدعاء يلتمس من الله تعالي ان ينجز حاجاته، وهي حاجات متنوعة، لم يحددها الدعاء بقدر ما تركها مفتوحة لتشمل ما يتوافق ونمط الانجاز الذي يلتمسه العبد: من رزق أو أمن. 
بعد ذلك تواجهنا عبارة (يا مغني من استغناه)، فماذا نستخلص منها؟
في تصورنا ان هذه العبارة بدورها ذات دلالة عامة او مطلقة لا تعني: الغناء المادي أو ما يماثله بقدر ما تشمل جميع الاشباعات الي يحتاج اليها قارئ الدعاء. ان النكتة هنا هي: ان قارئ الدعاء عند ما التمس من الله تعالي ان يحقق له انجازاته التي يتطلع اليها، انما يعني: تحقيق الاشباع الي درجة الغني بحيث لا تبقي حاجة غير مشبعة، وهذا ما تضطلع به عبارة (يا مغني من استغناه)، بحيث - كما اشرنا - لا يفتقر قارئ الدعاء الي احد من البشر مادام الله تعالي قد اغناه من فضله. 
بعد ذلك نواجه عبارة (يا موفي من استوفاه)، فماذا نستلهم منها؟
الجواب: ان قارئ الدعاء من الممكن ان يثير الآن سؤالاً هو: ان ايفاء الشيء هو: بمعني الغناء، اي: ان العبارة السابقة (يا مغني من استغناه) تتناغم مع عبارة (يا موفي من استوفاه)، اذن ما الفارق بين تينك العبارتين؟
الجواب: هنا نجد ان النكتة الدلالية في الفارق بين دلالة (الايفاء) ودلالة (الغناء) او (الغني) هي: ان كلمة (اوفي) تعني: الوفاء بالوعد، وتعني: الزيادة، اي: من الممكن ان تقصد العبارة الي ان الله تعالي يفي بما وعد عباده من الثواب او انه تعالي يزيد بما وعد او بما انجز من الحاجات، وحينئذ يكون المعني: ان الله تعالي يغني عباده ويوفيهم المزيد من ذلك، او ان الله تعالي يزيد عباده علي ما وعدهم او انجز لهم، وبهذا يتناسق المعنيان فيما بينهما، اي: معني عبارة (يا مغني من استغناه) وعبارة (يا موفي من استوفاه). 

*******