لا نزال نحدثك عن الأدعية المباركة، ومنها، دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه التي ورد فيها: (يا طبيب من لا طبيب له، يا مجيب من لا مجيب له، يا شفيق من لا شفيق له، ...).
من البين ان هذه العبارات تحوم علي دلالات متشابهة او متجانسة في طبيعة موضوعاتها أو مظاهر عظمة الله تعالي من حيث الرحمة ومفرداتها. اننا طالما نكرر بان القدرة والرحمة لا تقرآن بمعزل عن احداهما، ان الله تعالي (قادر)، (مهيمن)، (مبدع) و(عليم)، وهي جميعا تقرأ معس (الرحمة) في مختلف مستوياتها كالرأفة، والشفقة، والحنان.
المهم الآن هو: ان نحدثك عن الفقرات التي سبق عرضها، بادئين ذلك بالحديث عن فقرة (يا طبيب من لا طبيب له)، فماذا نستخلص منها؟
هنا يتعين علينا ان نذكـّرك بان المقطع الذي نحدثك عنه، قد بدأ بعبارة (يا حبيب من لا حبيب له)، ثم بالعبارات التي لاحظناها الآن وبما اننا حدثناك في لقاء سابق عن عبارة (يا حبيب من لا حبيب له) حينئذ لا مسوّغ لاعادة الحديث عنه بقدر ما اردنا لفت نظرك الي ان كل عبارة ترتبط بسابقتها وبلاحقها في ميدان الدلالة التي قلنا انها تحوم علي مفهوم الرحمة في مختلف ميادينها ونقف الآن عند عبارة (يا طبيب من لا طبيب له) وصلها بما قبلها (يا حبيب من لا حبيب له). فماذا نجد؟
من الواضح ان صفة (الحبيب) تعني: ان قارئ الدعاء (محبّ) لله تعالي، والله تعالي محب لعبده، يتعاطف واياه، ولعل عبارة(يا طبيب) تظل من العبارات المدهشة في دلالتها الغنية وموقعها من مقطع الدعاء. كيف ذلك؟
ان قارئ الدعاء من الممكن ان يستخلص من عبارة (الطبيب) ليس مصطلحه الطبّي أو الروحي بل يستخلص كليهما، وهذا هو احد وجوه بلاغة الدعاء، ان قارئ الدعاء عندما يتجه الي الله تعالي ويناديه بعبارة (يا حبيب)، فهذا يعني انه ينتظر جوابا لتطلعاته، ولذلك سنجد ان العبارة اللاحقة في مقطع الدعاء تقول (يا مجيب من لا مجيب له)، بيد ان عبارة (يا طبيب) تصدرت عبارة (يا مجيب) حتي يتوفر لدي قارئ الدعاء طمأنينة من الحبيب من جانب والطبيب من جانب آخر، ان عبارة (الطبيب)تفرض وجودها في هذا الموقع من مقطع الدعاء لان قارئ الدعاء لا يخلو من كونه (مريضاً) قد اعياه المرض، أو غافلاً لم يستكمل أدوات وعيه العبادي بحيث يؤدي وظيفته العبادية بالنحو الذي يريده الله تعالي. لذلك، فان الطبيب (الله تعالي) هو المتكفل باجابة دعاء القارئ للدعاء، وهو ما توضحه العبارة اللاحقة، العبارة اللاحقة تقول (يا مجيب من لا مجيب له)، ولا نحسب ان القارئ للدعاء يحتاج الي القاء الانارة علي هذا الموضوع نظراً لوضوحه بشكل كبير.
بيد ان ما نستهدف لفت النظر إليه، ان اجابة الدعاء تجئ الآن بعد ان يكون القارئ قد أحكم علاقته الوجدانية بالله تعالي، حينما وسمه بـ (الحبيب)، ثم عرض اول ما يحتاج اليه وهو: الطب الروحي والبدني، اي: اكتسابه الصحة البدنية حتي يستطيع ممارسة عمله العبادي، ثم اكسابه الصحة الروحية حتي يتقن عمله العبادي: كما هو واضح.
*******