نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا من إليه يرجع الأمر كله، يا من اظهر في كل شيء لطفه، يا من احسن كل شيء خلقه، ...).
هذه العبارات امتداد لما سبقها من مقطع الدعاء الذي نحدثك عنه، حيث يجدر بنا ان نذكّرك اولا بلقاء سابق حدثناك فيه عن عبارة (يا من يبدأ الخلق ثم يعيده)، وهذه العبارة هي: وصل أو امتداد لما سنحدثك عنه من عبارة (يا من اليه يرجع الأمر كله).
عندما يقول الدعاء أو يتجه الي الله تعالي بعبارة (يا من يبدأ الخلق ثم يعيده) نجد ان العبارة مشيرة الي بدء الخلق ثم موته ثم بعثه، وهذا من الوضوح بمكان.
من هنا نواجه عبارة متممة لسابقتها وهي (يا من إليه يرجع الأمر كلّه). ان هذه العبارة تتطلب مزيداً من التأمل، وسبب ذلك انها مرشّحة باكثر من دلالة، فأنت تستطيع ان تقول: ان عبارة رجوع الأمر الي الله تعالي هو: رجوع الخلق اليه في يوم الحساب، الم تقل العبارة السابقة علي هذه الفقرة (ثم يعيده) اي: يعيد الخلق يوم القيامة، فاذا اعاده فهذا يعني: ان الخلق يرجع إليه، ولكن في مرحلة جديدة هي: العرض أو الحساب، اي: بعد ما يبعث الله تعالي الخلق من القبور يعرضهم للحساب: كما هو بين.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا من اظهر في كل شيء لطفه) ثم عبارة (يا من احسن كل شيء خلقه) هنا، نلفت نظرك الي ان هاتين العبارتين نستطيع ان نجعلها امتداداً للعبارات التي تتحدث عن الخلق، بدايته وعودته، ومحاسبته. الا ان عبارة (يا من اظهر في كل شيء لطفه) من الممكن ان تجعلنا متساءلين عن صلتها بموضوع الخلق ومحاسبتهم. فماذا نستلهم منها؟ في تصورنا بما ان الله تعالي لطيف بعباده في الحالات جميعاً، حينئذ عندما نواجه عبارة (يا من اظهر في كل شيء لطفه)، يتداعي ذهننا الي انه تعالي (لطيف) بعباده وهو: يعيدهم ويعرضهم للحساب، بمعني: انه تعالي لطيف في محاسبته للخلق مع ملاحظة انه لطيف في كل شيء: كما هو نص العبارة، ولكن الذهن ينتقل ايضاً الي ما احتملناه من اللطف في المحاسبة ايضاً.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا من احسن كل شيء خلقه). هنا: نتساءل هذه العبارة تتحدث من جديد عن الخلق بعد ان كانت العبارات السابقة تتحدث عن بدء الخلق ثم عودته يوم القيامة، ثم محاسبته، ثم اللطف به لذلك نتساءل: ماذا تعني العبارة الجديدة القائلة (يا من احسن كل شيء خلقه)؟ قد يتصور قارئ الدعاء ان هذه العبارة من الممكن ان تجيء في موقع اسبق وهو: موقع خلق الله تعالي والاشارة الي الأحسن او الحسن في خلقه. لكن الأمر ليس كما يتصور بل ان العبارة الجديدة هي: موضوع جديد ولكنه مرتبط بسابقة ايضاً. كيف ذلك؟
ان مقطع الدعاء عندما تحدث عن بدء الخلق، وعودته، ومحاسبته، اردفه بمطلق ما خلق الله تعالي، اي: ليس العنصر البشري وما يماثله من الخلق المعاد والمحاسب، بل كل ما خلقه تعالي من المخلوقات الكونية، وهذا يعني: ان الدعاء قد استهدف الاشارة الي ان الله تعالي احسن الخلق في جميع انماطه: سوءاً كان الخلق للبشر او الجن او السماء او الارض.
*******