نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا من في البحار عجائبه، يا من في الجبال خزائنه)، هاتان العبارتان نحسب بانهما محفوفتان بضبابيّة يتعين علينا ان نلقي الاشارة عليها حتي نتبين المقصود من ذلك.
ان قارئ الدعاء يجد نفسه حائراً في استخلاص الدلالة الواضحة في عبارة (يا من في البحار عجائبه)، والاكثرضبابية عبارة (يا من في الجبال خزائنه)، ولكن بما ان قارئ الدعاء قد الف ما هو واضح وما هو متشابه، وما هو بين بين: حينئذ بمقدوره ان يستلهم بعض الدلالات، بخاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان المعصوم الذي انشأ هذا الدعاء يجعل بعض عباراته ملفّقة بشيءٍ من الغموض حتي يجعل قارئ الدعاء مساهماً في اكتشاف الدلالة. و الآن ما ذا نستخلص من عبارة (يا من في البحر عجائبه)؟
في تصورنا ان العجائب التي نتبينها من البحر متعددة، منها: البحر نفسه بمحيطاته، وانهاره يظل اعجوبة: من حيث الجمالية ومن حيث العظمة المحيطة به من قبل مبدعه تعالي.
بالاضافة الي ما يتضمنه من عجائب المخلوقات، ولعل حياتنا المعاصرة اتاحت لقارئ الدعاء ان يكتشف ويلاحظ عجائب الحيوانات مثلاً من خلال ما تعرضه أجهزة التلفزة ونحوها، ونذكّر قارئ الدعاء - لا اقل- باللحم الطريّ الذي يخرجه لنا البحر وهو السمك، فاذا تركنا هذا الجانب الحيواني الي جانب الثروة غير الحيوانية وهو ما اشارت الآية القرآنية الكريمة اليه بعبارة: «وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا»، ثم ما يسخرّه للركوب في عبارة «وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ» ثم عبارة «وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ»اولئك جميعاً يستطيع القارئ للعبارة المذكورة ان يستخلصها بوضوح.
اما العبارة الثانية وهي (يا من في الجبال خزائنه) فانها تتطلب اناة في استخلاص دلالتها، لكن قبل ذلك ينبغي ان يشير الي ظاهرة الجبال من حيث بعدها الجمالي والانتفاعي حيث يقول النص القرآني: متابعة لما تعرضه من عجائب البحر، قوله تعالي«وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ» واما البعد الجمالي فيشمل في الآية الكريمة المشيرة الي الوان الجبال: السود والبيض والحمر، ويتمثل في عجائبه عبر آيات مشيرة الي ذلك مثل «أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا» وفي عبارة «وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا» وفي عبارة « وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ».
وان هذه الاشارات المتنوعة الي نصب الجبال والاكنان والبيوت، والراسيات، تظل مصداقاً لما ورد في عبارة الدعاء القائلة (يا من في الجبال خزائنه) حيث ان الخزائن هي: ما يتضمنه المكان من المدخرات المخزونة التي لها قيمة كبيرة مادياً ومعنوياً.
*******