نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن مقطع ورد فيه: (يا صبور، يا شكور، يا رؤوف، يا عطوف)، فماذا نستخلص منه؟
نقف عند مفردة (يا صبور) اولاً، فنقول: ان (الصبر) - في التجربة البشرية - هو: عدم العجلة، وعدم الجزع وعدم الاشباع.
وهو (في ميدان الصحة النفسية) او (السلوك العبادي) او السلوك العام يعتبر الأساس الذي تبتني الشخصية عليه، بحيث اذا لم (يصبر) - اي لم يؤجل إشباع حاجاته - فانه يخسر دنياه، وكذلك: يخسر اخرته بطبيعة الحال.
وهذا كله في ميدان التجربة البشرية ولكن لماذا أثرنا الحديث عن هذه الظاهرة بشرياً مع اننا نتحدث عن صفاته تعالي ومظاهر عظمته؟
مادام (الصبر) هو: المفتاح الرئيس لنجاح الشخصية البشرية في السلوك بعامة، حينئذ فان اهميته تكتسب درجتها بقدر ما نتعلم من الله تعالي، اخلاقنا، ان الله تعالي صابر، شاكر، رؤوف، عطوف، رحيم، حنّان، منّان.
وهذا يعني اننا نتعلم منه تعالي ما يتوافق وطبيعة تركيبتنا البشرية ان الله يتسم بالكمال، وينزّه عن التجسيم اي لا حدود لمظاهر عظمته، اي: لاحدود لصفات العلم والقدرة والرحمة. لدي الله تعالي، لذلك فان تعلّمنا فيه تعالي يتحدد بقدر ما هو نسبي في تركيبنا البشرية ومن ذلك: ظاهرة (الصبر).
ان الله تعالي (يصبر) علي سلوك عباده مثلاً، انه لا يسرع في الانتقام، انه يعفو، يصفح، يغفر، وعلينا ان نتعلم ذلك في حدود طاقاتنا بمعني ان نحلم عمّن ظلمنا، ونصبر علي الطاعة، ونصبر عن المعصية، ونصبر علي أذي الآخر، وهكذا.
اذن الصبر في ميدان الطاعة، والمعصية في سلوكنا العبادي: له انعكاساته المباشرة في الجزاء المترتب علي ذلك أخروياً.
و الأثر كذلك دنيوياً، في ميدان الصحة النفسية فضلاً عن الصحة العبادية، بالنحو الذي اوضحناه.
ونتجه الي مفردة (يا شكور). فماذا نستلهم منها؟
فاتنا ان نذكر لك بان صيغة (يا صبور) هي: مبالغة لصيغة (يا صابر) والأمر كذلك، بالنسبة الي مفردة (يا شكور).
والمهم الآن هو: ان نكرر الاشارة الي اننا ينبغي ان نتعلم من الله تعالي اخلاقنا وفي مقدمة ذلك بعد الصبر، (الشكر)، ولكن ماذا تعني الكلمة المذكورة؟
لقد وسم الله تعالي عبده (نُوحًا) بانه «كَانَ عَبْدًا شَكُورًا»، هذا يعني: ان الشكر له اهميته الكبيرة في ميدان السلوك البشري الذي هو تعلّم من الله تعالي.
فاذا نقلنا الشكر من الميدان البشري الي صفات الله تعالي. فماذا نستلهم من الشكر بالنسبة الي الله تعالي!
ان الله تعالي (يشكر) عباده علي الطاعة، انه تعالي يقبل اليسير من العمل، انه يقدّر عباده تقديرا لا حدود لتصوره ويمكن انه اعدّ لهم من نعيم الآخرة ما لا عين رأت ولا اذن سمعت.
اذن علينا ان نتعلّم من الله تعالي (الشكر)، وفي مقدمة ذلك ان نشكره تعالي علي نعمه التي لا تحصي بل كما ورد في النصوص ان نشكره تعالي علي مطالبته بان نشكره.
والأهم من ذلك ان نقدّر عظمة الله تعالي، وان نتبين دلالة كلمة (الشكور)، التي وصف بها الدعاء عظمة الله تعالي.
*******