نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونحدثك الان عن احد مقاطعة الجديدة وهو: (يا من نفذ في كل شيء امره، يا من لحق بكل شيء علمه، يا من بلغت الي كل شيء قدرته،...).
هذه الفقرات من مقطع الدعاء، تتضمن جملة من صفات الله تعالي مثل الارادة، العلم، القدرة وهي صفات يرد ذكرها منفردة حينا مثل (يا عليم)، (يا قدير) ويرد ذكرها مركبه حينا اخر وفق صيغ مختلفه ومنها ما لاحظناه الان مثلاً، حيث ورد عن (العلم)مثلا (يا من لحق بكل شيء علمه). اذن نتحدث عن امثله هذه العبارات ونبدأ ذلك بعبارة او فقرة (يا من نفذ في كل شيء امره). فماذا نستلهم من ذلك؟
بالنسبة الي ارادته تعالي، لا ترديد البته ان الله تعالي اذَا ارَادَ شَيْئًا ان يكون قال له: كُنْ فَيَكُونُ وهذا المعني يصوغه الدعاء بنحو يسع كل ظاهرة يريدها تعالي، ولذلك قال النص: (يا من نفذ في كل شيء امره): ان اي شيء او ظاهره في الوجود هي: تعبر عن ارادته تعالي، حيث لا فاعليه لغير الله تعالي وهذا من الوضوح بمكان كبير والمهم ان هدف الدعاء هو: لفت نظر القارئ الي هذا الجانب حيث يذكره بعظمه الله تعالي حتي يصبح من الذاكرين، وليس الغافلين.
واما الفقرة الثانية فهي: (يا من لحق بكل شيء علمه). فماذا نستخلص منها؟
ان الله تعالي علام بكل شيء، وهذا من الوضوح بمكان كبير ايضاً بيد ان الاشاره الي عبارة (كُلِّ شَيْءٍ) من هذه الفقره وسائر فقرات المقطع انما الهدف منها هو: نذكر قارئ الدعاء من جانب باحد مظاهر عظمته تعالي، وثانياً لفت نظره الي احاطه الله تعالي بكل ما نتصوره من الاشياء، انه يَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا، وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ، الا يعلمه الله تعالي ايضاً نكرر الاشارة من جديد وهي: ان عباره (لحق بكل شيء علمه) تجعل قارئ الدعاء منتبها علي علم الله تعالي بكل شيء ومنه: ما يتداعي الي ذهن الداعي بقراة الدعاء ودلالته ان علم الله تعالي بسلوك قارئ الدعاء لا تفلت من شارده او وارده، بل هو عالم بسلوكه بطاعته، بمعصيته لا سمح الله تعالي وهذا ما يجعله محاسبا لنفسه، حذراً من ممارسة ما لا ترضي الله تعالي وهكذا.
ونتجه الي العباره الثالثه وهي: (يا من بلغت الي كل شيء قدرته ).فماذا نستخلص؟ الاستخلاص هو ملاحظة قدرته تعالي، وهي قدرة لا حدود لتصورها، انها القدرة علي كل شيء مهما كان، وهذا الامر يجعل قارئ الدعاء الواعي بقرائته: منتبها ايضاً علي هذا الجانب، حيث يتداعي بذهنه ليس الي المعني الاجمالي لقدرته تعالي بل يجعل قارئ الدعاء واعياً لما يحياه في نفسه من التصورات المتنوعة، كتصوره مثلاً لمرضة او فقرة او اضطرابة او حيث انه تعالي قادر علي تغيير ذلك الي الصحة والثروة والامن فضلاً عن القدره العامه علي الابداع، والتبديل لكل ما نتصوره من الظواهر المادية والمعنوية ومنها: قدرته تعالي علي الظالمين مثلاً وفلسفة امهالهم او تعجيل العقوبة، وهكذا تتداعي الاذهان الي سائر قدراته الابداعية والانشائية والبدائية.
*******