نواصل حديثنا عن الأدعية المباركة ومنها دعاء (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونحدثك الان عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا رب البراري والبحار، يا رب الليل والنهار، يا رب الاعلان والاسرار).
بهذه الفقرات او العبارات يختم مقطع الدعاء لنواجه مقطعاً جديداً فيه ان شاء الله تعالي، ولكن لنحدثك عن هذه الفقرات نذكرك بما اوضحناه في لقاءات سابقة ان مقاطع الدعاء تتجانس فيما بينها من جانب وتتجانس فقراتها من جانب ثان وتتجانس مزدوجاتها من جانب ثالث، ونحدثك الآن عن التجانس في المزدوجات التي عرضناها الآن، واولّها عبارة: (يا رب البراري والبحار). فماذا نستلهم من ذلك؟
لا احد منا يجهل عبارة شرعية تتكرر علي اسماعنا وهي (البر والبحر)، مثل كقوله تعالي: «... وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ...»، وهي فقرة متجانسة بين عبارة (البر) و (البحر)، بصفة ان الارض انما هي بر وبحر: كما هو واضح والنكتة الفنية او الدلالية في الفقرة هي: ان الله تعالي هو المبدع للسماوات والارض وان التذكير هنا يداعي بذهننا إلي الارض وما تنتظمه من بر وبحر وما يزخر به كل منهما من العطاءات حيث تشير النصوص الشرعية كتاباً وروايات من المعصومين (عليهم السلام). الي عطاءات البحر مثلاً من مخزوناته المتنوعة: مما يركب، ومن المعادن وألاطعمة: كالسمك، واللئالي ومسيرة السفن الخ، واما الارض فلا اوضح من عطاءاتها زراعياً بخاصة مما لا يحتاج الموضوع الي عرضها بقدر مانستهدف التذكير بها: حتي نستحضر دواما عطاء الله تعالي ونعمته ورحمته من خلال مرورنا علي الادعية وغيرها.
بعد ذلك نواجه فقرة (يا رب الليل والنهار) وهذه الفقرة بدورها لا تحتاج الي عرض بقدر التذكير بها، فالليل والنهار آيتان من آيات الله تعالي تزخر النصوص القرآنية الكريمة والنصوص الروائية لدي المعصومين (عليهم السلام) بها ويكفي ان نتذكر قدرة الله تعالي وابداعه من جانب لحركة الليل والنهار وان نتذكر عطاءه تعالي من هذين الوقتين من جانب آخر حتي يمكننا ان نستحضر ما لا يحصي من النعم في هذا المجال.
اخيراً يختم مقطع الدعاء المذكور بفقرة هي: (يا رب الاعلان والاسرار). فما ذا نستلهم منها؟
سلفا يمكننا ان نذكرك بان هذه الفقرة بعبارتيها متجانسة مع سابقتها بعبارتيها، اي: ان الذهن يتداعي من الليل والنهار الي الاسرار والاعلان فالسر والليل متجانسان من حيث انطواء كل منهما علي ما هو: مضاد لهما وهما: الليل والنهار اي: مجانسة الليلللسر ومجانسة النهار للاعلان، فالاول بطون والآخر ظهور في طبعهما.
لكن خارجا عن التجانس بين فقرتي: (يا رب الليل والنهار) وفقرة (يا رب الاعلان والاسرار) فان الفقرة التي اختتم بها المقطع، وهي (يا رب الاعلان والاسرار) ترشح بعدة دلالات منها: انه تعالي يعلم السر وكذلك العلن من الافعال والخواطر، ومنها: ما هو علن وما هو سر من الظواهر الطبيعية ومنها: ما هو علن وما هو سر من الظواهر الالهية وما هو علن منها وهكذا.
*******