لا نزال نحدثك عن الأدعية المباركة ومنها دعاء (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا رب الحبوب والثمار، يا رب الانهار والأشجار، يا ربّ الصحاري والقفار، ...). هذه الفقرات من الدعاء امتداد لما سبقها وهي ذات نكت طريفة طالما ألفتنا نظرك إليها وهي: ان الأدعية ومنها هذا الدعاء عند ما ينتخب مقاطع معينة ويودّعها فقرات معينة فلا بدّ ان تكون ذات موضوعات متجانسة وبناءات عضوية يرتبط بعضها بالآخر، والآن مع ملاحظتنا لكل فقرة من المقطع سنجد هذا الأمر من الوضوح بمكان.
اذن لنتحدث عن هذا الموضوع، ونبدأ بفقرة (يا رب الحبوب والثمار). فماذا نستلهم من ذلك؟
من البين ان (الحب) إما ان يكون لغوياً هو المادة التي تكون بذراً ثم يبدأ الزرع بنحوه الي ان يصبح مثمراً، او يكون حبا منعقداً ليثمر فيما بعد او يكون مقابلاً للاخضر من الثمر.
المهم ان ما يستلهمه قارئ الدعاء يتداعي بذهنه الي البذر الذي هو مادة الثمر وبهذا يكون التجانس بين البذر ثم نموه الي ورق وشجر، واخيراً: الي الثمرة والنكتة هنا هي: ان قارئ الدعاء عندما يقرأ عبارة (يا رب الحبوب والثمار) ينتقل بذهنه الي عطاء الله تعالي ورحمته، فضلاً عن عظمة الله وقدرته فالحبة تتحول الي ورق او شجر، ثم يتحول النبت بعد ذلك الي أثمار وهي: نموذج لقدراته تعالي حيث يخلق من اللا شيء شيئا والشيء يحوله الي ثمر وامّا النموذج لعطائه ورحمته فان الثمر طعامنا وهو نعمة عظمي لولاها لما استطاع الانسان ان يبقي حياً.
اذن العبارة المتقدمة تلهمنا معنيً عبادياً فائقا هو: عظمته تعالي ونعمته ورحمته.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا ربّ الانهار والاشجار)، هذه الفقرة بدورها متجانسة في الربط بين الانهار وبين الأشجار، كما هي متجانسة مع سابقتها (الحبوب والثمار). كيف ذلك؟
التجانس من الوضوح بمكان فاذا كنا نستخلص معني عظمته تعالي من خلال الحبة وهي المادة الاولي والثمر وهو الحصيلة الأخيرة فاننا سوف نستخلص من فقرة (الانهار والاشجار) المرحلة الوسطي من عملية النمو، فالحب هو: المرحلة الاولي والثمر هو المرحلة الأخيرة الا ان الانهار والاشجار هي المرحلة المتوسطة حيث يخرج الحب بواسطة الانهار وحيث يتنامي من اشجار كما هو واضح.
اذن لا نزال نستلهم عظمة الله تعالي بواسطة هذا التنامي للزرع: مياهاً وشجراً وحيث نستلهم عطاءه تعالي: بالاضافة الي المعطي الغذائي معطي جمالي هو: الأشجار والانهار بصفته مشهداً طبيعياً.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا رب الصحاري والقفار)، وهي عبارة امتدادية لسابقتها من حيث الطبيعة الارضية، بيد ان السؤال هو: ما هي الاستخلاصات او التداعيات الذهنية بالنسبة الي الصحراء والقفر؟
الصحراء هي الارض الواسعة دون نبات وان كان بعض اللغويين يخصصونها ببعض النباتات، واما القفر فهو: مالا نبات ولا كلأ، ولا بشر فيه. اذن نمطان من الارض مقابل نمطين من الارض المزروعة وهما مظهران ايضاً من عظمة الله تعالي اي قدرته وكذلك العطاء حيث ان المراي الطبيعي للفضاء الواسع وبالارض الخالية يبعث احاسيس يزدوج فيها ما هو القدرة الابداعية مع جمالية المراي ومن ثم التداعي الي العظمة الالهية والرهبة.
*******