نواصل حديثنا عن الأدعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الجديدة البادئ بما يأتي: (يا رب النبيين والابرار، يا رب الصديقين والاخيار، يا ربّ الجنة والنار، ...). 
هذا المقطع كالمقاطع السابقة تتجانس فقراته الازدواجية وتتفاوت في الآن ذاته، ونقف اولاً عند الفقرة الاولي وهي: (يا رب النبيين والابرار)، ثم (يا رب الصديقين والأخيار). فماذا نستخلص من هاتين العبارتين؟ 
لنقف عند كلمة (الصديق) ثم (البار) وثم (الخير) بعد ان نقف عند كلمة (النبيين) التي لا تحتاج الي توضيح بقدر ما تنبغي الاشارة الي انّ النبيين هم المثل في السلوك العبادي بعد الاربعة عشر معصوماً، ولكن ما ينبغي لنا الانتباه عليه ان كلا من الابراروالصديقين والاخيار يشتركون في سمات خاصة ويتفاوتون في سمات اخري، كيف ذلك؟
لنقف عند كلمتي (البار) و (الصديق) فماذا نستلهم منهما؟ النصوص اللغوية تشير الي ان (البار) هو: المحسن، الصالح، الصادق، واما (الصديق) فهو: البار الدائم التصديق. 
وهذا يعني ان البار والصديق يشتركان في البر ويتفاوتان في ان الصديق اوسع دلالة من البار لانه يسم البار وغيره وهو: المبالغة فيالصدق الذي يقرن صدقه بالعمل، اذن ثمة اشتراك وتفاوت بين البار والصديق ولكن ماذا بالنسبة الي (الخير)؟
الخير هو العامل بالخير، والخير هو اوسع دلالة من سائر السمات الإيجابية لانه يجمع بين اية سمة: كالصدق او البر أو الاحسان او الطاعة وهذا يعني انه يشترك مع البار والصديق وغيرهما ويتميز عنهما ليس بسعة دلالته فحسب بل بكونه يتجانس من الطرف معهما ايضاً من حيث اطلاقه علي الملتزم عبادياً اي: المقترن بالأعمال الصالحة من صلاة وصوم، وهو سمة التقوي، حيث ان التقوي تتجانس مع البّر ومع الصدق، لان المتـّقي صادق في عمله العبادي، والبار صادق بعمله ايضاً: كما لاحظنا.
بعد ذلك تواجهنا عبارة (يا رب الجنة والنار) فماذا نستخلص منها؟ في تصورنا ان الفئات المشار اليها: النبي، البار، الصديق، الخيربما انهم صفوة بشرية فان (الجنة) هي المأوي لهم، ولا بدّ ان تقابلها (النار) التي اعدّت لمن هو مضاد لهم في السلوك، وبذلك يتداعي الذهن بنحو غير مباشر الي المقارنة بين المؤمن وضده، ومن ثم: ما يترتب علي ذلك من الثواب والعقاب. 
بعد ذلك نواجه عبارة: (يا رب الصغار والكبار، يا رب الحبوب والثمار، يا رب الاشجار والانهار، ...). 
القارئ للدعاء سيلاحظ التجانس بين (الصغار والكبار) ولكنه سيتساءل عن التجانس بين الفقرة السابقة عليها (يا رب الجنة والنار) وبين الملاحقة لها (يا رب الحبوب والثمار). فماذا يستخلص من ذلك؟
في تصورنا ان الصغر والكبر لا يتداعيان بالذهن الي الطفولة والرشد بصفة ان الطفل لا يترتب علي سلوكه: تسجيل القلم وما مترتب علي التسجيل عن الجنة والنار وهي العبارة السابقة علي (يا رب الصغار والكبار) بل يتداعي الذهن من عبارتي (الصغير)و (الكبير) الي ثنائية الشخصية اي: مرحلة العمر المتأرجحة بين الصغر والكبر فابن العشرين مثلاً يترتب عليه ما يترتب علي ابن الستين وهكذا فالاول منهما صغير والآخر كبير ولكنها متساويان في المهمة العبادية وما يترتب عليهما من الثواب والعقاب. 

*******