نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا حسيب، يا مهيب، يا مثيب، يا مجيب...) فنحدثك اولاً عن عبارة (يا حسيب). فماذا نستلهم منها؟
الحسيب صفة من صفات الله تعالى، ذات دلالات متنوعة، وهي قد تجئ بمعنى (المحاسب)، وهذا ما ورد في النصوص القرآنية الكريمة والنصوص الحديثية من نحو «كَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا»، اي: يحاسب عباده على سلوكهم، وقد يجئ بمعنة آخر هو: الكرم، او الشرف، او الكافي بمعنى انك عندما تقول: «حَسْبِيَ اللَّهُ» فان معناه: يكفيني تعالى، حيث تنسحب الكلمة على عشرات المصاديق: كما هو واضح.
والمهم ان هذه الكلمة سواء اوردت بمعنى المحاسب او الكافي او الشريف تظل محتشدة بعظمة الله تعالى من حيث صفاته المشار اليها. بعد ذلك نواجه عباة (يا مهيب)، فماذا نستخلص منها؟
المهيب هو من يتقيه الآخر ويخافه ويحذره ومن الواضح، ان الله تعالى هو المالك لهذه الصفة المطلقة. ان الكون باكمله، وخيرة العباد بأجمعهم يتقون الله تعالى ويخافونه ويحذرونه، لانه المتفرد في عظمته: المبدع لهم، الرحيم بهم.
بعد ذلك واجه كلمة او عبارة (يا مثيب)، وهي عبارة لا نحسب ان احداً يجهل دلالتها، بصفة ان الله تعالى (يثيب) عباده على ماقدموه من الطاعة، ولا حدّ لاثابته تعالى، لانه يضاعف من الجزاء بما هو اهل لذلك، من حيث العطاء غير المحدود: لعباده.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا مجيب)، بدورها صفة من صفات عظمته تعالى، او رحمته. ان الاثابة من الله تعالى هي رحمة، واجابته للدعاء هي رحمة ولا نفغل ان العبارات التي تقدمت، اي التي سبقت عبارة (يا مجيب) كانت تتحدث عن محاسبته تعالى او كفايته، وتتحدث عن مهابته وتتحدث عن اثابته، وهي عبارات تتجانس في صلة بعضها مع الآخر، حيث ان الاجابة لدعاء العبد تشكل ختاماً لصفات تحوم على ما هو عطاء من الله تعالى ولذلك عندما يسرد مقطع الدعاء هذه العبارات ويختمها بعبارة (يا مجيب)، فهذا يعني: ان الله تعالى عظم في رحمته كل العظمة.
بعد ذلك يختم الدعاء بعبارتين تختلفان العبارات السابقة من حيث ايقاعهما، فقد كانت العبارات التي حدثناك عنها ذات فواصل تنتهي بحرفي الياء والباء، اما الآن فنواجه عبارتين تنتهيان بحر في الياء والراء، وهما (يا خبير، يا بصير)، وهذا يعني ان ثمة نكتة وراء ذلك، وهي نكتة تتمثل في كون العبارتين الاخيرتين هما: التتويج لما سبق من العبارات. كيف ذلك؟
ان صفة (خبير) تعني انه تعالى عارف بكل شيء، وصفة (بصير) تعني انه تعالى يرى كل شيء، فاذا كان تعالى خبيراً بسلوك عباده، وبصيراً بمستوياته، حينئذ فان (محاسبتهم) و(اثابتهم) وتظل مرتبطة بطبيعة معرفته تعالى ورؤيته لما هو عليه البشر او سواهم من الموجودات.
وهذا النمط من التتويج له اهميته النفسية من حيث طرائق الاستجابة البشرية لما تقرء من الصفات المذكورة، بحيث تتعمق القناعة بعظمته وبرحمته تعالى.
*******