نتابع احاديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد في ختامه ما يأتي من اسمائه او مظاهره تعالى. (يا ذاكر، يا ناظر، يا ناصر، ...).
هذه الصفات الثلاث، تظل من العبارات الواضحة نسبياً، الا انها بحاجة الى توضيح الصلة بين دلالاتها المتجانسة.
الاولى من الصفات المتجانسة هي (يا ذاكر)، والذاكر هنا له دلالته العظيمة التي ينبغي ان يعتز بها كل الاعتزاز، وان يشكر الله تعالى كل الشكر، وذلك لان الله تعالى هو (الذاكر) لعبده، حتى لو لم يذكره، بمعنى انه يعطي من سأله ومن لم يسأله، والمهم في الحالات جميعاً، ان نستحضر في الذهن دواماً، ان (الذاكر) من العباد لله تعالى، يظل اكبر نصيباً وحظاً من الرعاية الالهية، حيث انه تعالى طالما يقول: اذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ .
ونتجه الى المفردة الثانية وهي (يا ناظر). هنا نحسب بأن قارئ الدعاء يمكنه بوضوح، أن يصل بين هذه الصفة وسابقتها، اي: بين انه (ذاكر) وبين انه تعالى (ناظر)، حيث ان النظر هنا (وهو ممعنوي)، يعني: انه تعالى لا يرفع عنايته عن العبد، انه تعالى حاضر لدى عبده الذاكر له، ومن ثم: فان الله تعالى ما دام ذاكراً لعبده، فانه (حاضر) لدى مشكلات وهموم وتطلعات وآمال عبده، كما هو واضح. اذن، ما اعظم رعايته الله تعالى لعبده؟
المظهر الثالث من الصفات هو: (يا ناصر)، هنا نحسبك ايضاً سوف لن تغفل عن ملاحظة الصلة بين ما تقدم من صفتي (الذاكر، والناظر) وبين صفة (الناصر)، حيث يستخلص قارئ الدعاء سريعاً، ان الله تعالى عندما هو (ذاكر) لعبده، فانه ينظر الى حوائجه، واذا نظر اليها فهو تعالى (ينصر) عبده في تحقيق ما يتطلع اليه من الحوائج.
اذن، اتضح لنا الفارق والمشترك بين المظاهر الثلاثة: الذاكر، الناظر، الناصر.
بعد ذلك نواجه مقطعاً جديداً من الدعاء وهو المقطع البادئ بما يأتي: (يا من خلق فسوى، يا من قدر فهدى، يا من يكشف البلوى، يا من يسمع النجوى، ...).
هنا نواجه في هذا المقطع من الدعاء مجموعة مظاهر، بعضها يتجانس مع الآخر في موضوعه الخاص مثل (يا من خلق فسوى)حيث يتجانس مع (يا من قدر فهدى)، كما نلحظ افتراق ذلك عن عبارتين لاحقتين هما: (يا من يكشف البلوى) و ( يا من يسمع النجوى) يجسدان موضوعاً يختلف عن السابق، وهذا الموضوع يتصل بانقاذ العبد من شدائده متمثلاً في مفردتين هما: (يا من يكشف الشكوى ويا من يسمع الشكوى) وهما موضوعان متجانسان: كما هو واضح.
وهكذا بالنسبة الى سائر المظاهر، لكن قبل ان نحدثك عن هذه المستويات من الصفات المتجانسة والمتفاوتة ايضاً، نلفت نظرك الى ضرورة ملاحظة قارئ الدعاء الى النكات الكامنة وراء ذلك، بخاصة اذا لحظنا ان بعض الصفات الواردة في هذا المقطع من نحو: (يا من اضحك وابكى) و (امات واحيا) تظل متقابلة في زوجيتها وليس متوازية، والسر في ذلك هو: ان التضاد (في اللغة الادبية) يعد تجانساً بدوره، ولكن من خلال التقابل بين مظهرين، وبذلك يكون التماثل والتقابل موضوعين متجانسين ايضاً، وهو امر يتطلب توضيحاً مفصلاً، وهذا ما نعدك به في لقاءات لاحقة ان شاء الله تعالى.
*******