لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه اذي ورد فيه: (يا عظيم المنّ، يا كثير الخير، يا قديم الفضل، ...).
هذه الاسماء او الصفات او المظاهر من عظمة الله تعالى تتحدث عن عطائه، ومنه: (المن)، حيث عبّر الدعاء عن ذلك بفقرة (يا عظيم المنّ)، فماذا نستلهم من الفقرة المتقدمة؟
(المنّ) هو، الانعام على العبد من غير ان يصدر من العبد عمل عبادي، وهذا يعني: انه تعالى يتفضل على عبده ـ حتى لو لم يستحق ـ بالعطاء، وهو منتهى ما يمكن تصوره من الرحمة والعظمة من هنا، نجد ان العبارة لا تكتفي بكلمة (المن) التي تعني الانعام على العبد من غير تعب منه، بل يضيف النص تفضلاً اكثر عندما يقول (يا عظيم المن)، اي: ان الله تعالى لا يكتفي بان يمن على عبده، بل يمن عليه بما هو عظيم من المنّ، وهذا يفصح بعطاء اكثر مما قلناه قبل قليل عندما اوضحنا ان الله تعالى يمنّ على عبده من دون تعب، وان هذا هو منتهى الرحمة، بل ان المنّ هنا يتسم بكونه عظيماً، مما يعني عدم تصورنا البتة للامحدودية عطاء الله تعالى. فما اعظم الله تعالى من منان على عباده، اللهم من علينا بانعامك، بمحمد وآله الطاهرين.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا كثير الخير)، فماذا نستخلص منها؟
هذه العبارة كسابقتها تتجانس في نمط العطاء وفي حجمه ايضاً، فكما ان الله تعالى (يمن) على عبده ليس مجرد الانعام من غير تعب، بل ان (منه) لعظيم لا محدودية له كذلك، فان الخير الذي يغدقه تعالى على عبده لا ينحصر في كونه خيراً اي: مجرد خير، بل ان الخير (كثير)، اي: لا محدودية له ايضاً. اذن، ما اعظم نعم الله تعالى على عبده؟
بعد ذلك نواجه عبارة (يا قديم الفضل)، فماذا نستلهم من العبارة المتقدمة؟
ان الفضل يتجانس مع (المن) من حيث كونه احساناً من غير علة له، والنكتة هنا من حيث صلة هذه العبارة بما سبقتها، ان الدعاء عندما وصف الله تعالى بانه (عظيم المن)، اي: لا محدودية انعامه، فان الدعاء هنا ـ بالنسبة الى الفضل ـ وصف ذلك بان الله تعالى (قديم) في فضله. فانه تعالى (قديم) في فضله، قدم وجوده الازلي تعالى. اذن، (الفضل) بدوره لا محدودية له من حيث تفضل الله تعالى على العبد.
بعدها تواجهنا عبارة (يا دائم اللطف) ثم عبارة (يا لطيف الصنع ) ، فماذا نستخلص منها؟
(اللطف) هو الرفق في التعامل، وعندما يقول الدعاء (يا دائم اللطف)، انما يجانس بين ما من العطاءات التي لا محدودية لها، وبين (اللطف) بدوره، حيث يتسم بالديمومة، وليس مجرد اللطف او المنقطع منه، بل الدائم، وهذا بدوره منتهى الرحمة.
يبقى ان نحدثك عن العبارة الاخرى التي ورد فيها (اللطف) ايضاً، ولكن في سياق آخر هو عبارة (يا لطيف الصنع)، فماذا نستلهم منها؟
اللطف هنا بمعنى (الدقة) اي، ان الله تعالى عندما يتفضل بصنع الوجود مما يرتبط به، فان الصنع المشار اليه يتسم بالدقة من جانب، وبما هو رفق بنا من جانب آخر، وهذا ما يفسر لنا تكرار اللطف في التعامل مع العبد، وفي التعامل مع الوجود المسخر للعبد ايضاً.
*******