نحن الآن مع المقطع الثالث والثلاثين من دعاء (الجوشن الكبير)، حيث نحدثك عن محتوياته التي اكتسبت صياغة خاصة هي على النحو التالي: (يا اعظم من كل عظيم، يا اكرم من كل كريم، يا ارحم من كل رحيم، ...)، حيث ترد الصفات او الاسماء او المظاهر الآتية بالاسلوب ذاته، اي الافضلية وهي: (عليم، حكيم، قديم، كبير، لطيف، جليل، عزيز، ...).
لقد حدثناك في لقاءات ماضية عن النكات الكامنة وراء صيغة التفضيل، حيث كانت الاشارة الى انه تعالى هو الكامل مطلقا ً في صفاته، بحيث لا حدود لها قبالة النسبية التي يتميز بها البشر في خصائصهم التي منحها الله تعالى اياهم لذلك، فلا نحدثك عن هذا الجانب، بل نكتفي بالتوضيح للصفات المتقدمة بنحوها العام، وهي: (العظيم، الكريم، الرحيم، العليم، الحكم، القديم، الكبير، اللطيف، الجليل، العزيز).
بالنسبة الى عبارة او كلمة (عظيم)، فلا نحتاج الى توضيحها بقدر ما تجدر الاشارة الى ان مصطلح (العظيم) هو: ضخامة الظاهرة بحيث لا صفة اعلى منها من حيث الخطورة وهذه الصفة (العظيم) التي استهل المقطع بها تعني: ان (العظمة) لله تعالى تنسحب على الصفات التالية لها وهي (الكريم، الرحيم، ...)، فماذا نستلهم من كلمة (الكريم)؟
الكريم تنسحب على دلالتين، احداهما: بمعنى السخاء او الجود، والاخرى بمعنى الاحسن والاطيب والاجود، اي: ان الكرم اوالكريم هو من يسخو ويجود، كما انه هو: الطيب والحسن والنزيه، فتكون الصفة في التجربة البشرية ذات صبغة مادية هي السخاء، وصبغة نفسية هي الطيبة ولذلك تطلق كلمة الكريم على من يمتلك اخلاقاً حسنة، فيقال (مكارم الاخلاق) تعبير عن الصفة النفسية، ويطلق على ذي السخاء والجود كما قلنا ايضاً وحيث ننتقل بها الى ساحة الله تعالى، فان الكرم بمعنييه: السخاء والنزاهة تظل منسحبة على الظاهرة.
اما كلمة (رحيم) فقد حدثناك عنها في لقاءات متنوعة، فيما لاحاجة الى اعادة الكلام فيها وبذلك، ننتقل الى صفة (عليم)، وهي بدورها مصطلح حدثناك عنه سابقاً وبذلك ايضاً ننتقل الى كلمة (قديم)، وهي بدورها كانت موضع حديثنا في لقاءات سابقة، حيث تعني الكلمة (الازلية) و(الابدية) بالنسبة الى وجود الله تعالى حيث لا بداية ولا نهاية لوجوده تعالى.
بعد ذلك نواجه كلمة (كبير)، وهي واضحة الدلالة، لكنها تتجانس مع صفات اخرى وردت في هذا المقطع وسواه، مثل (عظيم، جليل،...) فيما تحتاج الى توضيحات على النحو الآتي: السؤال الآن هو: ما هو الفارق بين كلمة (عظيم) وكلمة (كبير)؟
في تصورنا ان (الكبير) يتقابل مع (الصغير)، واما العظيم فيتقابل مع (الحقير)، لذلك فاهما يشتركان في دلالة هي: المهم مقابل المهمل، ولكن يفترقان من جانب آخر في تحديد ما هو مهم أو خطير، لا نغفل ايضاً ان كلمة (جليل) الواردة في المقطع تشترك وتفترق بدورها بالنسبة الى (كبير) و (عظيم)، لذلك نتساءل عن الفوارق فحسب. ماذا نستلهم؟
بالنسبة الى (جليل) فانها تعني ان الله تعالى منزّه وارفع من كل شيء، واما (الكبير)، فتعني: انه تعالى لا يكبره شيء في حالة ما اذا افرضنا المماثل مثلاً وهو ممتنع بطبيعة الحال، بينما (العظيم) تعني التفخيم او الخطورة التي لا يرقى اليها شيء. اذن، كل واحد من العبارات المتقدمة تحمل خصوصية بالنحو الذي اوضحناه سريعاً.
*******