لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، جيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهيما من ذلك الى مقطع ورد فيه: (يا احكم الحاكمين، يا اعدل العادلين، يا اصدق الصادقين).
وقد حدثناك عن العبارة الاولى وهي: (يا احكم الحاكمين)، في لقاء سابق، وواعدناك بان نتحدث عن العبارة الثانية وسواها، وان نوضح الصلة او السمات المشتركة بين هذه المظاهر من عظمة الله تعالى. الى الحديث عن عبارة (يا اعدل العادلين) وعلاقتها بما سبقتها وهي (يا احكم الحاكمين)، فماذا نستخلص؟
لا نعتقد اننا بحاجة الى مزيد من التأمل حتى ندرك الصلة بين صفة (احكم الحاكمين) وصفة (اعدل العادلين)، فمادام الحكم هو: حسم الموقف لاحد الاطراف، وان الله تعالى هو: الاحكم من اي حكم نتصوره، حينئذ فان (العدل) يظل من سمات الحكم المتقدم، بمعنى انه تعالى (عادل) لا حدود لتصورات ذلك: تبعاً او اتساقاً مع سائر صفاته تعالى من حيث كونها (مطلقة) لا حدود لها.
بعد ذلك نتجه الى عبارة (يا اصدق الصادقين)، فماذا نستخلص؟
لا ترديد في ان الله تعالى عندما يعد في شئ، فانه تعالى لا يخلف وعده، وبهذا تكون سمة (الصدق) غير منفصمة عن وعده، انه تعالى (اصدق الصادقين) في وعده لعباده، بمعنى انه لا حدود لتصورات سمة الصدق عنده اتساماً مع سمات الحكم، والعدل، وبهذا تكون سمة (اصدق الصادقين) متسقة مع سمتي: الحكم والعدل.
ونواجه عبارة جديدة، وهي (يا اطهر الطاهرين)، فماذا نستخلص منها؟
ان (الطهر) لا يحتاج الى توضيح، والله تعالى هو الطهر المحض والمطلق: كما هو واضح ايضاً، وبهذا تكون عبارة (اطهر الطاهرين)متناسقة مع سابقاتها (احكم الحاكمين)، (اعدل العادلين)، (اصدق الصادقين)، من حيث كونها لا حدود لتصوراتنا حيال ذلك، وهو الطهر المطلق ومعلوم، ان صلة الطهر بالحكم وتداعياته تظل من الوثاقة بمكان، لان الحكم الصادر من الله تعالى نقياً، وخيراً محضاً.
بعدها نواجه عبارة (يا أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، وهي عبارة قد تبدو منفصلة عن سابقاتها من حيث صلتها بالحكم وما يواكبه من السمات المتقدمة: كالعدل وسواه. ترى ماذا نستخلص من الدلالات في هذه العبارة؟
ان الله تعالى (أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، لا يحتاج الى القاء الانارة على تحديد ذلك. انه تعالى ذكر في كتابه الكريم هذه الآية المباركة «لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» كما ان نشاهده من الاف الظواهر الابداعية في مخلوقاته تعالى: من سماء وجوّ وارض ونبات وبرّ وبحر، لايحتاج الى توضيح، انه تعالى ابدع المبدعين لظواهر الكون التي لا يمكن لنا ان نحصيها ويظل الجمال الطبيعي والبشري من ابرز مظاره (الاحسان) في جميع مخلوقاته، فضلاً عن سائر مظاهر الاتقان ومظاهر الاحكام.
واولئك جميعاً تظل آيات واضحة لقدرته تعالى غير المحدودة. مما تعمق مفهومات الوحدانية في المتلقي لهذه المظاهر من عظمته تعالى.
يبقى ان نوضح الصلة المتصورة بين انه تعالى (أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) وبين ما تقدمها من سمات الاحكم والاعدل والاصدق.
في تصورنا بما ان (الاحسن) من المظاهر التي خلقها تعالى، لا ينحصر في ما هو مادي كجمال الطبيعة او الجمال البشري بل يتجاوزه الى ما هو معنوي او قيمي، حينئذ فان (الاحسن) من المظاهر المعنوية المتصلة بالحكم، وبالعدل، وبالصدق، ينسحب على ذلك ايضاً.
ختاماً نعدك ـ ان شاء الله تعالى ـ بان نتابع حديثنا عن سائر ما ورد في مقطع الدعاء في لقاءات لا حقة، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******